@ 387 @ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } . .
لما ذكر ما كان عليه الكفار من ادعاء الولد والشريك له ، وكان تعالى قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم ) أنه ينتقم منهم ولم يبين إذ ذاك في حياته أم بعد موته ، أمره بأنه يدعو بهذا الدعاء أي إن ترني ما تعدهم واقعاً بهم في الدنيا أو في الآخرة فلا تجعلني معهم ، ومعلوم أنه عليه السلام معصوم مما يكون سبباً لجعله معهم ، ولكنه أمره أن يدعو بذلك إظهاراً للعبودية وتواضعاً لله ، واستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إذا قام من مجلسه سبعين مرة من هذا القبيل . وقال أبو بكر : وليتكم ولست بخيركم . قال الحسن : كان يعلم أنه خيرهم ولكن المؤمن يهضم نفسه . .
وجاء الدعاء بلفظ الرب قبل الشرط وقبل : الجزاء مبالغة في الابتهال إلى الله تعالى والتضرع ، ولأن الرب هو المالك الناظر في مصالح العبد . وقرأ الضحاك وأبو عمر إن الجوني ترئني بالهمز بدل الياء ، وهذا كما قرىء فأما ترئن ولترؤن بالهمز وهو إبدال ضعيف ، ثم أخبر تعالى أنه قادر على تعجيل العذاب لهم كما كانوا يطلبون ذلك وذلك في حياته عليه الصلاة والسلام ولكن تأخيره لأجل يستوفون ، والجمهور على أن هذا العذاب في الدنيا . فقيل : يوم بدر . وقيل : فتح مكة . وقيل : هو عذاب الآخرة . .
ثم أمره تعالى بحسن الأخلاق والتي هي أحسن شهادة أن لا إله إلاّ الله و { السَّيّئَةُ } الشرك . وقال الحسن : الصفح والإغضاء . وقال عطاء والضحاك : السلام إذا أفحشوا . وحكى الماوردي : { ادْفَعْ } بالموعظة المنكر والأجود العموم في الحسنى وفيما يسوء و { الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } أبلغ من الحسنة للمبالغة الدال عليها أفعل التفضيل ، وجاء في صلة التي ليدل على معرفة السامع بالحالة التي هي أحسن . قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف . وقيل : هي محكمة لأن المداراة محثوث عليها ما لم يؤد إلى ثلم دين وإزراء بمروءة . { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } يقتصي أنها آية موادعة ، والمعنى بما يذكرون ويصفونك به مما أنت بخلافه . .
ثم أمره تعالى أن يستعيذ من نحسات الشياطين والهمز من الشيطان عبارة عن حثه على العصيان والإغراء به كما يهمز الرائض الدابة لتسرع ، ثم أمره أن يستعيذ بسورة الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه . وقال ابن زيد : همز الشيطان الجنون ، والظاهر أنه أمر بالاستعاذة من حضور الشياطين في كل وقت . وعن ابن عباس عند تلاوة القرآن . .
{ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ } قال الزمخشري : { حَتَّى } يتعلق بيصفون أي لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت ، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد للإغضاء عنهم مستعيناً بالله على الشيطان أن يستنزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم ، أو على قوله وإنهم لكاذبون انتهى . وقال ابن عطية : { حَتَّى } في هذا الموضع حرف ابتداء ، ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف والأول أبين لأن ما بعدها هو المعنى به المقصود ذكره انتهى . فتوهم ابن عطية أن حتى إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية وهي إذا كانت حرف ابتداء لا تفارقها الغاية ولم يبين الكلام المحذوف المقدر . وقال أبو البقاء { حَتَّى } غاية في معنى العطف ، والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون حتى غاية لها يدل عليها ما قبلها التقدير : فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ } ونظير حذف هذه الجملة قول الشاعر : .
فياً عجباً حتى كليب تسبني .
أي يسبني الناس حتى كليب ، فدل ما بعد حتى على الجملة المحذوفة وفي الآية دل ما قبلها عليها . وقال القشيري : احتج تعالى عليهم وذكرهم قدرته ثم قال : مصرون على الإنكار { حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ } تيقن ضلالته وعاين الملائكة ندم ولا ينفعه الندم انتهى . وجمع الضمير في { ارْجِعُونِ } إما مخاطبة له تعالى مخاطبة الجمع