@ 380 @ أي قلوب الكفار في ضلال قد غمرها كما يغمر الماء { مّنْ هَاذَا } أي من هذا العمل الذي وصف به المؤمنون أو من الكتاب الذي لدينا أو من القرآن ، والمعنى من اطراح هذا وتركه أو يشير إلى الذين بجملته أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم ) أقوال خمسة { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } من دون ذلك أي من دون الغمرة والضلال المحيط بهم ، فالمعنى أنهم ضالون معرضون عن الحق ، وهم مع ذلك لهم سعايات فساد وصفهم تعالى بحالتي شر قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية ، وعلى هذا التأويل الإخبار عما سلف من أعمالهم وعماهم فيه . وقيل : الإشارة بذلك إلى قوله { مّنْ هَاذَا } وكأنه قال لهم أعمال من دون الحق ، أو القرآن ونحوه . وقال الحسن ومجاهد : إنما أخبر بقوله { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } عما يستأنف من أعمالهم أي أنهم لهم أعمال من الفساد . وعن ابن عباس { أَعْمَالٌ } سيئة دون الشرك . وقال الزمخشري { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } متجاوزة متخطئة لذلك أي لما وصف به المؤمنون هم معتادون وبها ضارون ولا يفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب و { حَتَّى } هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام ، والكلام الجملة الشرطية انتهى . وقيل الضمير في قوله { بَلِ } يعود إلى المؤمنين المشفقين { هُمْ فِى غَمْرَةٍ } من هذا وصف لهم بالحيرة كأنه قيل { وَهُمْ } مع ذلك الخوف والوجل كالمتحيرين في أعمالهم أهي مقبولة أم مردودة { ولهم أعمال من دون ذلك أي من النوافل ووجوه البر سوى ما هم عليه ، ويريد بالأعمال الأول الفرائض ، وبالثاني النوافل . .
{ حتى إذا أخذنا مترفيهم } رجوع إلى وصف الكفار قاله أبو مسلم . قال أبو عبد الله الرازي : وهو أولى لأنه إذا أمكن رد الكلام إلى ما اتصل به كان أولى من رده إلى ما بعده خصوصاً وقد رغب المرء في الخير بأن يذكر أن أعمالهم محفوظة كما يحذر بذلك من الشر ، وأن يوصف بشدة فكرة في أمر آخرته بأن قلبه في غمرة ، ويراد أنه قد استولى عليه الفكر في قبوله أو رده وفي أنه هل أداه كما يجب أو قصر فإن قيل : فما المراد بقوله { مّنْ هَاذَا } ؟ قلنا : إشارة إلى إشفاقهم ووجلهم بين استيلاء ذلك على قلوبهم انتهى . وتقدم قول الزمخشري في { حَتَّى } أنها التي يبتدأ بعدها الكلام ، وأنها غاية لما قبلها ، وقد ردّ ذلك أنهم معتادون لها حتى يأخذهم الله بالعذاب . وقال الحوفي { حَتَّى } غاية وهي عاطفة ، { إِذَا } ظرف يضاف إلى ما بعده فيه معنى الشرط { إِذَا } الثانية في موضع جواب الأولى ، ومعنى الكلام عامل في { إِذَا } والتقدير جأروا ، فيكون جأد العامل في { إِذَا } الأولى ، والعامل في الثانية { أَخَذْنَا } انتهى وهو كلام مخبط ليس أهلاً أن يرد . .
وقال ابن عطية و { حَتَّى } حرف ابتداء لا غير ، و { إِذَا } الثانية التي هي جواب يمنعان من أن تكون حتى غاية لعاملون انتهى . وقال مكي : أي لكفار قريش أعمال من الشر دون أعمال أهل البر { لَهَا عَامِلُونَ } إلى أن يأخذ الله أهل النعمة والبطر منهم { بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ } يضجون ويستغيثون ، والمترفون المنعمون والرؤساء والعذاب القحط سبع سنين والجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقال : ( اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة والقد والأولاد . وقيل : العذاب قتلهم يوم بدر . وقيل : عذاب الآخرة ، والظاهر أن الضمير في { إِذَا هُمْ } عائد على { مُتْرَفِيهِمْ } إذ هم المحدث عنهم صاحوا حين نزل بهم العذاب . وقيل : يعود على الباقين بعد المعذبين . قال ابن جريج : المعذبون قتلى بدر ، والذين { يَجْئَرُونَ } أهل مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا . .
{ لاَ تَجْئَرُواْ الْيَوْمَ } أي يقال لهم إما حقيقة تقول لهم الملائكة ذلك وإما مجازاً أي لسان الحال يقول ذلك هذا إن كان الذين يجأرون هم المعذبون وعلى قول ابن جريج ليس القائل الملائكة . وقال قتادة { يَجْئَرُونَ } يصرخون بالتوبة فلا يقبل منهم . وقال الربيع بن أنس : تجأرون تجزعون ، عبر بالصراخ بالجزع إذ الجزع سببه { إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } أي لا تمنعون من عذابنا أو لا يكون لكم نصر من جهتنا ، فالجوار غير نافع لكم ولا مجد . .
{ قَدْ كَانَتْ ءايَتِى } هي آيات القرآن { تَنكِصُونَ } ترجعون استعارة للإعراض عن الحق . وقرأ علي بن أبي طالب { تَنكِصُونَ } بضم الكاف والضمير في { بِهِ } عائد على المصدر الدال عليه { تَنكِصُونَ } أي بالنكوص والتباعد من سماع الآيات أو على الآيات لأنها في معنى الكتاب ، وضمن { مُسْتَكْبِرِينَ } معنى مكذبين فعُدِّي بالباء أو تكون الباء