@ 407 @ مجاهد ؛ أو بصدق وحق ، قاله ابن زيد ؛ أو بقبول ، قاله ابن بحر ؛ أو بطاعة ، قاله أبو العالية والربيع ؛ أو بنية وإخلاص ، أو بكثرة درس ودراية ؛ أو بجدّ وعزيمة ورغبة وعمل ؛ أو بقدرة . والقوة : القدرة والاستطاعة . وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، والباء للحال أو الاستعانة . .
{ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ } . قرأ الجمهور : به أمراً من ذكر ، وقرأ أبيّ : واذكروا ما فيه : أمراً من اذكر ، وأصله : وإذتكروا ، ثم أبدل من التاء دال ، ثم أدغم الذال في الدال ، إذ أكثر الإدغام يستحيل فيه الأول إلى الثاني ، ويجوز في هذا أن يستحيل الثاني إلى الأول ، ويدغم فيه الأول فيقال : اذكر ، ويجوز الإظهار فتقول : إذ ذكر . وقرأ ابن مسعود : تذكروا ، على أنه مضارع انجزم على جواب الأمر الذي هو خذوا . فعلى القراءتين قيل : هذا يكون أمراً بالإذكار ، وعلى هذه القراءة يكون الذكر مترتباً على حصول الأخذ بقوة ، أي أن تأخذوا بقوّة تذكروا ما فيه . وذكر الزمخشري أنه قرىء : وتذكروا أمراً من التذكر ، ولا يبعد عندي أن تكون هذه القراءة هي قراءة ابن مسعود ، ووهم الذي نقلناه من كتابه تذكروا في إسقاط الواو ، والذي فيه هو ما تضمنه من الثواب ، قاله ابن عباس ؛ أو احفظوا ما فيه ولا تنسوه وادرسوه ، قاله الزجاج ؛ أو ما فيه من أمر الله ونهيه وصفة محمد صلى الله عليه وسلم ) ، أو اتعظوا به لتنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى . والذكر : قد يكون اللسان ، وقد يكون بالقلب على ما سبق ، وقد يكون بهما . فباللسان معناه : ادرسوا ، وبالقلب معناه : تدبروا ، وبهما معناه : ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه . أو أريد بالذكر : ثمرته ، وهو العمل ، فمعناه : اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع . والضمير في فيه يعود على ما . وقال في المنتخب : لا يحمل على نفس الذكر ، لأن الذكر الذي هو ضدّ النسيان من فعل الله تعالى ، فكيف يجوز الأمر به ؟ انتهى . .
ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه . أو أريد بالذكر : ثمرته ، وهو العمل ، فمعناه : اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع . والضمير في فيه يعود على ما . وقال في المنتخب : لا يحمل على نفس الذكر ، لأن الذكر الذي هو ضدّ النسيان من فعل الله تعالى ، فكيف يجوز الأمر به ؟ انتهى . .
{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } : أي رجاء أن يحصل لكم التقوى بذكر ما فيه . وقيل : معناه لعلكم تنزعون عما أنتم فيه . والذي يفهم من سياق الكلام أنهم امتثلوا الأمر وفعلوا مقتضاه ، يدل على ذلك : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مّن بَعْدِ ذالِكَ } . فهذا يدل على القبول والالتزام لما أمروا به . وفي بعض القصص أنهم قالوا ، لما زال الجبل : يا موسى ، سمعنا وأطعنا ، ولولا الجبل ما أطعناك . وفي بعض القصص : فآمنوا كرهاً ، وظاهر هذا الإلجاء . والمختار عند أهل العلم أن الله تعالى خلق لهم الإيمان والطاعة في قلوبهم وقت السجود ، حتى كان إيمانهم طوعاً لا كرهاً . .
{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مّن بَعْدِ ذالِكَ } : أي أعرضتم عن الميثاق والعمل بما فيه ، وأصل التولي : أن يكون بالجسم ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات ، اتساعاً ومجازاً . ودخول ثم مشعر بالمهلة ، ومن تشعر بابتداء الغاية . لكن بين الجملتين كلام محذوف ، التقدير ، والله أعلم : فأخذتم ما آتيناكم ، وذكرتم ما فيه ، وعملتم بمقتضاه . فلا بدّ من ارتكاب مجاز في مدلول من ، وأنه لسرعة التولي منهم واجتماعهم عليه ، كأنه ما تخلل بين ما أمروا به وبين التولي شيء . وقد علم أنهم بعدما قبلوا التوراة ، تولوا عنها بأمور ، فحرّفوها ، وتركوا العمل بها ، وقتلوا الأنبياء ، وكفروا بالله ، وعصوا أمره . ومن ذلك ما اختص به بعضهم ، وما عمله أوائلهم ، وما عمله أواخرهم . ولم يزالوا في التيه ، مع مشاهدتهم الأعاجيب ، يخالفون موسى ، ويظاهرون بالمعاصي في سكرهم ، حتى خسف ببعضهم ، وأحرقت النار بعضهم ، وعوقبوا بالطاعون ، وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرأون بها ، ثم فعل ساحروهمم ما لا خفاء به ، حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس ، وكفروا بالمسيح وهموا بقتله ، والقرآن ، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة . فالجملة معروفة ، وذلك إخبار من الله عن أسلافهم . فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ) ، وحالهم في كتابه ما ذكر . والإشارة بذلك في قوله : { مِن بَعْدِ ذالِكَ } إلى قبول ما أوتوه ، أو إلى أخذ الميثاق والوفاء به ، ورفع الجبل ، أو خروج موسى من بينهم ، أو الإيمان ، أقوال . .
{ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } ،