@ 373 @ ( سقط : متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ، هيهات هيهات لما توعدون ، إن هي إلا حياتنا نوت ونحيا وما نحن بمبعوثين ، إن هو إلا رجل به جنة افترى على الله كذبا وما نحن بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون ، قال عما قليل ليصبحن نادمين ، فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ) .
ذكر هذه القصة عقيب قصة نوح ، يظهر أن هؤلاء هم قوم هود والرسول هو هود عليه السلام وهو قول الأكثرين . وقال أبو سليمان الدمشقي والطبري : هم ثمود ، والرسول صالح عليه السلام هلكوا بالصيحة . وفي آخر القصة { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ } ولم يأت أن قوم هود هلكوا بالصيحة وقصة قوم هود جاءت في الأعراف ، وفي هود ، وفي الشعراء بأثر قصة قوم نوح . وقال تعالى { وَاذْكُرُواْ * إِذَا * جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } والأصل في أرسل أن يتعدى بإلى كأخوانه وجه ، وأنفذ وبعث وهنا عُدِّي بفي ، جعلت الأمة موضعاً للإرسال كما قال رؤبة : .
أرسلت فيها مصعباً ذا إقحام .
وجاء بعث كذلك في قوله { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلّ أُمَّةٍ } { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } و { ءانٍ } في { أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ } يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية وجاء هنا { وَقَالَ } بالواو . وفي الأعراف وسورة هود في قصه بغير واو قصد في الواو العطف على ما قاله ، أي اجتمع قوله الذي هو حق ، وقولهم الذي هو باطل كأنه إخبار بتباين الحالين والتي بغير واو قصد به الاستئناف وكأنه جواب لسؤال مقدر ، أي فما كان قولهم له قال قالوا كيت وكيت { وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الاْخِرَةِ } أي بلقاء الجزاء من الثواب والعقاب فيها { وَأَتْرَفْنَاهُمْ } أي بسطنا لهم الآمال والأرزاق ونعمناهم ، واحتملت هذه الجملة أن تكون معطوفة على صلة الذين ، وكان العطف مشعراً بغلبة التكذيب والكفر ، أي الحامل لهم على ذلك كوننا نعمناهم وأحسنا إليهم ، وكان ينبغي أن يكون الأمر بخلاف ذلك وأن يقابلوا نعمتنا بالإيمان وتصديق من أرسلته إليهم ، وأن تكون جملة حالية أي وقد { * أترفناهم } أي { لَّمَّا كَذَّبُواْ } في هذه الحال ، ويؤول هذا المعنى إلى المعنى الأول أي { كَذَّبُواْ } في حال الإحسان إليهم ، وكان ينبغي أن لا يكفروا وأن يشكروا النعمة بالإيمان والتصديق لرسلي . .
وقوله { أَكَلَ * مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ } تحقيق للبشرية وحكم بالتساوي بينه وبينهم ، وأن لا مزية له عليهم ، والظاهر أن ما موصولة في قوله { مِمَّا تَشْرَبُونَ } وأن العائد محذوف تقديره { مِمَّا تَشْرَبُونَ } منه لوجود شرائط الحذف ، وهو اتحاد المتعلق والمتعلق كقوله : مررت بالذي مررت ، وحسن هذا الحذف ورجحه كون { تَشْرَبُونَ } فاصلة ولدلالة منه عليه في قوله { مّمَّا تَأْكُلُونَ } وفي التحرير وزعم الفراء أن معنى قوله { وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } على حذف أي { مِمَّا تَشْرَبُونَ } منه ، وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف ألبتة لأن ما إذا كانت مصدراً لم تحتج إلى عائد ، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم تحتج إلى إضمار من انتهى . يعني أنه يصير التقدير مما تشربونه ، فيكون المحذوف ضميراً متصلاً وشروط جواز الحذف فيه موجودة ، وهذا تخريج على قاعدة البصريين إلاّ أنه يفوت فصاحة معادلة التركيب ألا ترى أنه قال { مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ } فعداه بمن التبعيضية ، فالمعادلة تقتضي أن يكون التقدير { مِمَّا تَشْرَبُونَ } منه ، فلو كان التركيب مما تأكلونه لكان تقدير تشربونه هو الراجح . .
وقال الزمخشري : حذف الضمير والمعنى من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه انتهى . فقوله حذف الضمير معناه مما تشربونه وفسره بقوله مشروبكم لأن الذي تشربونه هو مشروبكم . .
وقال الزمخشري { إِذَا } واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم ، أي تخسرون عقولكم وتغبنون في آبائكم انتهى . وليس { إِذَا } واقعاً في جزاء الشرط بل واقعاً بين { إِنَّكُمْ } والخبر و { إِنَّكُمْ } والخبر ليس جزاء للشرط بل ذلك جملة جواب القسم المحذوف قبل إن الموطئة ، ولو كانت { إِنَّكُمْ } والخبر جواباً للشرط للزمت الفاء في { إِنَّكُمْ } بل لو كان بالفاء في تركيب غير القرآن لم يكن ذلك التركيب جائزاً إلاّ عند الفراء ، والبصريون لا يجيزونه وهو عندهم خطأ . واختلف المعربون في تخريج { إِنَّكُمْ } الثانية ، والمقتول عن سيبويه أن { إِنَّكُمْ } بدل من الأولى وفيها معنى التأكيد ، وخبر { إِنَّكُمْ } الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه