@ 350 @ الشأن ويفسر بالجملة على خلاف فيه أيضاً وهذا الذي ذكره الزمخشري ليس واحداً من هذه الستة فوجب اطّراحه والمعنى أن أبصارهم سالمة لا عمى بها ، وإنما العمى بقلوبهم ، ومعلوم أن الأبصار قد تعمى لكن المنفي فيها ليس العمى الحقيقي وإنما هو ثمرة البصر وهو التأدية إلى الفكرة فيما يشاهد البصر لكن ذلك متوقف على العقل الذي محله القلب ، ووصفت { الْقُلُوبُ } بالتي { فِى الصُّدُورِ } . قال ابن عطبة مبالغة كقوله { يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم } وكما تقول نظرت إليه بعيني . .
وقال الزمخشري : الذي قد تعورف واعتد أن العمى على الحقيقة مكان البصر وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها ، واستعماله في القلب استعارة ومثل ، فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف لتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار ، كما تقول : ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك فقولك : الذي بين فكيك تقرير لما ادعيته للسانه ، وتثبيت لأن محل المضاء هو هو لا غير وكأنك قلت : ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهواً مني ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً انتهى . .
وقوله ولكن تعمّدت به إياه بعينه تعمداً فصل الضمير وليس من مواضع فصله ، والصواب ولكن تعمدته به كما تقول السيف ضربتك به ولا تقول : ضربت به إياك ، وفصله في مكان اتصاله عجمة ، وقال أبو عبد الله الرازي : وعندي فيه وجه آخر وهو أن القلب قد يجعل كناية عن الخاطر ، والتدبير كقوله تعالى { إِنَّ فِى ذالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } وعند قوم أن محل الفكر هو الدماغ فالله تعالى بين أن محل ذلك هو الصدر . .
والضمير في { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } لقريش ، وكان صلى الله عليه وسلم ) يحذرهم نقمات الله ويوعدهم بذلك دنيا وآخرة وهم لا يصدقون بذلك ويستبعدون وقوعه ، فكان استعجالهم على سبيل الاستهزاء وأن ما توعدتنا به لا يقع وإنه لا بعث وفي قوله { وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ } أي إن ذلك واقع لا محالة ، لكن لوقوعه أجل لا يتعداه . وأضاف الوعد إليه تعالى لأن رسوله عليه الصلاة والسلام هو المخبر به عن الله تعالى . .
وقال الزمخشري : أنكر استعجالهم بالمتوعد به من العذاب العاجل والآجل ، كأنه قال : ولم يستعجلون به كأنهم يجوّزون الفوت وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف والله عز وعلا لا يخلف الميعاد ، وما وعده ليصيبهم ولو بعد حين وهو سبحانه حليم لا يعجل انتهى . وفي قوله وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف دسيسة الاعتزال . .
وقيل : { وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ } في النظرة والإمهال واختلفوا في هذا التشبه . فقيل : في العدد أي اليوم عند الله ألف سنة من عددكم . وفي الحديث الصحيح : ( يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وذلك خمسمائة عام فالمعنى وإن طال الإمهال فإنه في بعض يوم من أيام الله . وقيل : التشبيه وقع في الطول للعذاب فيه ، والشدة أي { وَإِنَّ يَوْماً } من أيام عذاب الله لشدة العذاب فيه وطوله { كَأَلْفِ سَنَةٍ } من عددكم إذ أيام الترحة مستطالة وأيام الفرحة مستقصرة ، وكان ذلك اليوم الواحد كألف سنة من سني العذاب والمعنى أنهم لو عرفوا حال الآخرة ما استعجلوه وهذا القول قريب من قول أبي مسلم . وقيل : التشبيه بالنسبة إلى علمه تعالى وقدرته وإنفاذ ما يريد { كَأَلْفِ سَنَةٍ } واقتصر على ألف سنة وإن كان اليوم عنده كما لا نهاية له من العدد لكون الألف منتهى العدد دون تكرار ، وهذا القول لا يناسب مورد الآية إلاّ إن أريد أنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا أيضاً إمهال ألف سنة . وقال ابن عباس : أراد باليوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض . وقال ابن عيسى يجمع لهم عذاب ألف سنة في يوم واحد ، ولأهل الجنة سرور ألف سنة في يوم واحد . وقال الفراء : تضمنت الآية عذاب الدنيا والآخرة ، وأريد العذاب في الدنيا أي { لَنْ * يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ } في إنزال