@ 329 @ ( سقط يهدي من يريد ) .
الظاهر أن المجادل في هذه الآية غير المجادل في الآية قبلها ، فعن محمد بن كعب أنها نزلت في الأخنس بن شريق . وعن ابن عباس في أبي جهل . وقيل : الأولى في المقلدين وهذه في المقلدين ، والجمهور على أنها والتي قبلها في النضر كررت مبالغة في الذم ، ولكون كل واحدة اشتملت على زيادة ليست في الأخرى . وقد قيل فيه : نه نزلت فيه بضع عشرة آية . وقال ابن عطية : وكرر هذه على وجه التوبيخ ، فكأنه يقول : هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان { وَمِنَ النَّاسِ } مع ذلك { مَن يُجَادِلُ } فكان الواو واو الحال ، والآية المتقدمة الواو فيها واو العطف عطفت جملة الكلام على ما قبلها ، والآية على معنى الإخبار وهي ههنا مكررة للتوبيخ انتهى . ولا يتخيل أن الواو في { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ } واو حال ، وعلى تقدير الجملة التي قدّرها قبله لو كان مصرحاً بها لم يتقدّر بإذ فلا تكون للحال ، وإنما هي للعطف قسم المخذولين إلى مجادل { فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } متبع لشيطان مريد ، ومجادل { بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } إلى آخره وعابد ربه على حرف والمراد بالعلم العلم الضروري ، وبالهدى الاستدلال والنظر لأنه يهدي إلى المعرفة ، وبالكتاب المنير الوحي أي { يُجَادِلُ } بغير واحد من هذه الثلاثة . .
وانتصب { ثَانِىَ عِطْفِهِ } على الحال من الضمير المستكن في { يُجَادِلُ } قال ابن عباس : متكبراً ، ومجاهد : لاوياً عنقه بقبح ، والضحاك شامخاً بأنفه وابن جريج : معرضا عن الحق ، وقرأ الحسن ثاني عطف بفتح العين أي : تعطفه وترحمه و ( ليضل ) متعلق ب ( تجادل ) وقرأ مجاهد وأهل مكة وأبو عمرو في رواية { لِيُضِلَّ } بفتح الياء أي { لِيُضِلَّ } في نفسه والجمهور بضمها أي { لِيُضِلَّ } غيره ، وهو يترتب على إضلاله كثرة العذاب ، إذ عليه وزر من عمل به . ولما كان مآل جداله إلى الإضلال كان كأنه علة له ، وكذلك لما كان معرضاً عن الهدى مقبلاً على الجدال بالباطل كان كالخارج من الهدى إلى الضلال . .
والخزي في الدنيا ما لحقه يوم بدر من الأسر والقتل والهزيمة ، وقد أسر النضر . وقيل : يوم بدر بالصفراء . و { الْحَرِيقِ } قيل طبقة من طباق جهنم ، وقد يكون من إضافة الموصوف إلى صفته أي العذاب الحريق أي المحرق كالسميع بمعنى المسمع . .
وقرأ زيد بن عليّ فأذيقه بهمزة المتكلم ذلك إشارة إلى الخزي والإذاقة ، وجوزوا في إعراب ذلك هذا ما جوزوا في إعراب ذلك بأن الله هو الحق . وتقدم المراد في { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي باجترامك وبعدل الله فيك إذ عصيته ، ويحتمل أن يكون وأن الله متقطعاً ليس ذلك في السبب والتقدير والأمر أن الله . قال ابن عطية : والعبيد هنا ذكروا في معنى مسكنتهم وقلة قدرتهم ، فلذلك جاءت هذه الصيغة انتهى . وهو يفرق بين العبيد والعباد وقد رددنا عليه تفرقته في أواخر آل عمران في قوله { وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ } وشرحنا هنا قوله { بِظَلَّامٍ } . .
من { يَعْبُدُ اللَّهَ } نزلت في أعراب من أسلم وغطفان تباطؤوا عن الإسلام وقالوا : نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع ما بيننا وبين حلفائنا من يهود فلا يقرونا ولا يؤونا . وقيل : في أعراب لا يقين لهم يسلم أحدهم فيتفق تثمير ماله وولادة ذكر وغير ذلك من الخير ، فيقول : هذا دين جيد أو ينعكس حاله فيتشاءم ويرتد كما جرى للعرنيين قال معناه ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم . وعن ابن عباس : في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، فلما أوحى إليه ارتد . وقيل : في يهودي أسلم فأصيب فتشاءم بالإسلام ، وسأل الرسول إلا قاله فقال : ( إن الإسلام لا يقال ) فنزلت . وعن الحس : هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه وقال ابن عيسى : على ضعف يقين . وقال أبو عبيد { عَلَى حَرْفٍ } على شك . وقال ابن عطية { حَرْفٍ } على انحراف منه عن العقيدة البيضاء ، أو على شفا منها معداً للزهوق . .
وقال الزمخشري { عَلَى حَرْفٍ } على طرف من الدين لا في وسطه وقبله ، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة كالذي يكون على طرف من العسكر ، فأن أحسن بظفر وغنيمة قرّ واطمأنّ وإلاّ فرّ وطار على وجهه انتهى . وخسرانه الدنيا إصابته فيها بما يسوؤه من ذهاب ماله وفقد أحبائه فلم يسلم للقضاء . وخسران الآخرة حيث حرم ثواب من صبر فارتد عن