@ 299 @ صغيراً أقوال خمسة ، والمضاف إليه من قبل محذوف وهو معرفة ولذلك بنى { قَبْلُ } أي { مِن قَبْلُ } موسى وهارون قاله الضحاك كقوله في الأنعام { وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } أي من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وأبعد من ذهب إلى أن التقدير { مِن قَبْلُ } بلوغه أو { مِن قَبْلُ } نبوته يعني حين كان في صلب آدم . وأخذ ميثاق الأنبياء ، أو من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ) لأنها محذوفات لا يدل على حذفها دليل بخلاف { مِنْ * قِيلَ } موسى وهارون لتقدم ذكرهما . وقربه ، والضمير في { بِهِ } الظاهر أنه عائد على إبراهيم . وقيل : على الرشد وعلمه تعالى أنه علم منه أحوالاً عجيبة وأسراراً بديعة فأهله لخلته كقوله : الله أعلم حيث يجعل رسالاته ، وهذا من أعظم المدح وأبلغه إذ أخبر تعالى أنه آتاه الرشد وأنه عالم بما آتاه به عليه السلام . .
ثم استطرد من ذلك إلى تفسير الرشد وهو الدعاء إلى توحيد الله ورفض ما عبد من دونه . و { إِذْ } معمولة لآتينا أو { * رشدة } و { بِهِ عَالِمِينَ } وبمحذوف أي اذكر من أوقات رشده هذا الوقت ، وبدأ أولاً بذكر أبيه لأنه الأهم عنده في النصيحة وإنقاذه من الضلال ثم عطف عليه { قَوْمِهِ } كقوله { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ } وفي قوله { مَا هَاذِهِ التَّمَاثِيلُ } تحقير لها وتصغير لشأنها وتجاهل بها مع علمه بها وبتعظيمهم لها . وفي خطابه لهم بقوله { أَنتُمْ } استهانة بهم وتوقيف على سوء صنيعهم ، وعكف يتعدى بعلى كقوله { يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ } فقيل { لَهَا } هنا بمعنى عليها كما قيل في قوله { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } والظاهر أن اللام في { لَهَا } لام التعليل أي لتعظيمها ، وصلة { عَاكِفُونَ } محذوفة أي على عبادتها . وقيل : ضمن { عَاكِفُونَ } معنى عابدين فعداه باللام . .
وقال الزمخشري : لم ينو للعاكفين محذوفاً وأجراه مجرى ما لا يتعدى كقوله فاعلون العكوف لها أو واقفون لها انتهى . .
ولما سألهم أجابوه بالتقليد البحت ، وأنه فعل آبائهم اقتدوا به من غير ذكر برهان ، وما أقبح هذا التقليد الذي أدى بهم إلى عبادة خشب وحجر ومعدن ولجاجهم في ذلك ونصرة تقليدهم وكان سؤاله عن عبادة التماثيل وغايته أن يذكروا شبهة في ذلك فيبطلها ، فلما أجابوه بما لا شبهة لهم فيه وبدا ضلالهم { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ } أي في حيرة واضحة لا التباس فيها ، وحكم بالضلال على المقلدين والمقلدين وجعل الضلال مستقراً لهم و { أَنتُمْ } توكيد للضمير الذي هو اسم { كَانَ } قال الزمخشري : و { أَنتُمْ } من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع ونحوه { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } انتهى ، وليس هذا حكماً مجمعاً عليه فلا يصح الكلام مع الإخلال به لأن الكوفيين يجيزون العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد بالضمير المنفصل المرفوع ، ولا فصل وتنظيره ذلك : باسكن أنت وزوجك الجنة مخالف لمذهبه في { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ } لأنه يزعم أن وزوجك ليس معطوفاً على الضمير المستكن في { اسْكُنْ } بل قوله : { وَزَوْجُكَ } مرتفع على إضمار ، وليسكن فهو عنده من عطف الجمل وقوله هذا مخالف لمذهب سيبويه . .
ولما جرى هذا السؤال وهذا الجواب تعجبوا من تضليله إياهم إذ كان قد نشأ بينهم وجوزوا أن ما قاله هو على سبيل المزاح لا الجد ، فاستفهموه أهذا جد منه أم لعب والضمير في { قَالُواْ } عائد عى أبيه وقومه و { بِالْحَقّ } متعلق بقولهم { أَجِئْتَنَا } ولم يريدوا حقيقة المجيء لأنه لم يكن عنهم غائباً فجاءهم وهو نظير { قَالَ أُوْحِى * لَوْ * جِئْتُكَ بِشَىء مُّبِينٍ } والحق هنا ضد الباطل وهو الجد ، ولذلك قابلوه باللعب ، وجاءت الجملة