@ 277 @ قال الزمخشري : صحة التشبيه في قوله { كَمَا أُرْسِلَ الاْوَّلُونَ } من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات ، لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات ، ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول أتى محمد بالمعجزة ، وأن تقول : أرسل محمد بالمعجزة انتهى . والكاف في { كَمَا أُرْسِلَ } يجوز أن يكون في موضع النعت لآية ، وما أرسل في تقدير المصدر والمعنى بآية مثل آية إرسال { الاْوَّلِينَ } ، ويجوز أن يكون في النعت لمصدر محذوف أي إتياناً مثل إرسال { الاْوَّلِينَ } أي مثل إتيانهم بالآيات ، وهذه الآية التي طلبوها هي على سبيل اقتراحهم ، ولم يأت الله بآية مقترحة إلا أتى بالعذاب بعده . وأراد تعالى تأخير هؤلاء وفي قولهم { كَمَا أُرْسِلَ الاْوَّلُونَ } دلالة على معرفتهم بإتيان الرسل . .
ثم أجاب تعالى عن قولهم { بَلْ قَالُواْ } بقوله { مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } والمراد بهم قوم صالح وقوم فرعون وغيرهما ، ومعنى { أَهْلَكْنَاهَا } حكمنا بإهلاكها بما اقترحوا من الآيات { أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } استبعاد وإنكارأي هؤلاء أعني من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعهدوا أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا فأهلكهم الله ، فلو أعطينا هؤلاء ما اقترحوا لكانوا أنكث من أولئك ، وكان يقع استئصالهم ولكن حكم الله تعالى بإبقائهم ليؤمن من آمن ويخرج منهم مؤمنين . .
ولما تقدم من قولهم { هَلْ هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } وأن الرسول لا يكون إلاّ من عند الله من جنس البشر قال تعالى راداً عليهم { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً } أي بشراً ولم يكونوا ملائكة كما اعتقدوا ، ثم أحالهم على { أَهْلَ الذّكْرِ } فإنهم وإن كانوا مشايعين للكفار ساعين في إخماد نور الله لا يقدرون على إنكار إرسال البشر . وقوله { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } من حيث إنّ قريشاً لم يكن لها كتاب سابق ولا إثارة من علم . والظاهر أن { أَهْلَ الذّكْرِ } هم أحبار أهل الكتابين وشهادتهم تقوم بها الحجة في إرسال الله البشر هذا مع موافقة قريش في ترك الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ) ، فشهادتهم لا مطعن فيها . وقال عبد الله بن سلام : أنا من أهل الذكر . وقيل : هم أهل القرآن . وقال علي : أنا من أهل الذكر . وقال ابن عطية : لا يصلح أن يكون المسؤول أهل القرآن في ذلك الوقت لأنهم كانوا خصومهم انتهى . وقيل { أَهْلَ الذّكْرِ } هم أهل التوراة . وقيل : أهل العلم بالسير وقصص الأمم البائدة والقرون السالفة ، فإنهم كانوا يفحصون عن هذه الأشياء وإذا كان { أَهْلَ الذّكْرِ } أريد بهم اليهود والنصارى فإنهم لما بلغ خبرهم حد التواتر جاز أن يسألوا ولا يقدح في ذلك كونهم كفاراً . .
وقرأ الجمهور : يوحي مبنياً للمفعول . وقرأ طلحة وحفص { نُوحِى } بالنون وكسر الحاء و { * الجسد } يقع على ما لا يتغذى من الجماد . وقيل : يقع على المتعذي وغيره ، فعلى القول الأول يكون النفي قد وقع على { * الجسد } وعلى الثاني يكون مثبتاً ، والنفي إنما وقع على صفته ووحد الجسد لإرادة الجنس كأنه قال : ذوي ضرب من الأجساد ، وهذا رد لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ، وهذه الجملة من تمام الجواب للمشركين الذين قالوا { ظَلَمُواْ هَلْ هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } لأن البشرية تقتضي الجسمية الحيوانية ، وهذه لا بد لها من مادة تقوم بها ، وقد خرجوا بذلك في قولهم { هَلْ هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } يأكل مما تإكلون منه ويشرب مما تشربون ، ولما أثبت أنهم كانوا أجساداً يأكلون الطعام بين أنهم مآلهم إلى الفناء والنفاد ، ونفى عنهم الخلود وهو البقاء السرمدي أو البقاء المدة المتطاولة أي هؤلاء الرسل بشر أجساد يطعمون ويموتون كغيرهم من البشر ، والذي صاروا به رسلاً هو ظهور المعجزة على أيديهم وعصمتهم من الصفات القادحة في التبليغ وغيره . .
{ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ } ذكر تعالى سيرته مع أنبيائه فكذلك يصدق نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ما وعدهم به من النصر وظهور الكلمة ، فهذه عدة للمؤمنين ووعيد للكافرين و { صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ } من باب اختار وهو ما يتعدى الفعل فيه إلى واحد وإلى الآخر بحرف جر ، ويجوز حذف ذلك الحرف أي في { الْوَعْدُ } وهو باب لا ينقاس عند الجمهور ، وإنما يحفظ من ذلك أفعال قليلة ذكرت في النحو ونظير { صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ } قولهم : صدقوهم القتال وصدقني سن بكره وصدقت زيداً الحديث و { مَّن نَّشَاء } هم المؤمنون ، والمسرفون هم الكفار المفرطون في غيهم وكفرهم ، وكل من ترك الإيمان فهو مفرط مسرف وإنجاؤهم من شر أعدائهم ومن العذاب الذي نزل بأعدائهم . .
ولما توعدهم في هذه الآية أعقب ذلك بوعده