@ 255 @ لشأناً فقبض القبضة من تربة موطئه ، فلما سأله موسى عن قصته قال قبضت من أثر فرس المرسل إليك يوم حلول الميعاد ، ولعله لم يعرف أنه جبريل انتهى . وهو قول عليّ مع زيادة . .
وقال أبو مسلم الأصبهاني : ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون ، وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام ، وأثره سنته ورسمه الذي أمر به ، فقد يقول الرجل : فلان يقفو أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه ، والتقدير أن موسى لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القول في العجل { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول أي شيئاً من دينك { فَنَبَذْتُهَا } أي طرحتها . فعند ذلك أعلم موسى بما له من العذاب في الدنيا والآخرة وإنما أراد لفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له : ما يقول الأمير في كذا أو بماذا يأمر الأمير ، وتسميته رسولاً مع جحده وكفره ، فعلى مذهب من حكى الله عنه قوله { وَقَالُواْ يأَيُّهَا الَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } فإن لم يئمنوا بالإنزال قيل : وما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق إلاّ أن فيه مخالفة المفسرين . قيل : ويبعد ما قالوه أن جبريل ليس معهوداً باسم رسول ، ولم يجر له فيما تقدم ذكر حتى تكون اللام في الرسول لسابق في الذكر ، ولأن ما قالوه لا بد من إضمار أي من أثر حافر فرس الرسول والإضمار خلاف الأصل ، ولأن اختصاص السامري برؤية جبريل ومعرفته من بين الناس يبعد جداً ، وكيف عرف أن حافر فرسه يؤثر هذا الأثر الغريب العجيب من إحياء الجماد به وصيرورته لحماً ودماً ؟ وكيف عرف جبريل يتردّد إلى نبيّ وقد عرف نبوّته وصحت عنده فحاول الإضلال ؟ ويكف اطلع كافر على تراب هذا شأنه ؟ فلقائل أن يقول : لعل موسى اطلع على شيء آخر يشبه هذا فلأجله أتى بالمعجزات ، فيصير ذلك قادحاً فيما أتوا به من الخوارق انتهى . ما رجح به هذا القائل قول أبي مسلم الأصبهاني . .
{ وَكَذالِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى } أي كما حدث ووقع قربت لي نفسي وجعلته لي رسولاً وإرباً حتى فعلته ، وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو وحي ، فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ، وجعل له أن يقول مدة حياته { لاَ مِسَاسَ } أي لا مماسة ولا إذابة . وقال الزمخشري : عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش ، وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعاً كلياً ، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضاً ، وإذا اتفق أن يماس أحداً رجلاً أو امرأة حمّ الماسّ والممسوس فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصبح { لاَ مِسَاسَ } ويقال إن قومه باق فيهم ذلك إلى اليوم انتهى . وكون الحمى تأخذ الماس والممسوس قول قتادة والأمر بالذهاب حقيقة ودخلت الفاء للتعقيب إثر المحاورة وطرده بلا مهلة زمانية ، وعبر بالمماسة عن المخالطة لأنها أدنى أسباب المخالطة فنبه بالأدنى على الأعلى ، والمعنى لا مخالطة بينك وبين الناس فنفر من الناس ولزم البرية وهجر البرية وبقي مع الوحوش إلى أن استوحش وصار إذا رأى أحداً يقول { لاَ مِسَاسَ } أي لا تمسني ولا أمسك . وقيل : ابتلي بعذاب قيل له { لاَ مِسَاسَ } بالوسواس وهو الذي عناه الشاعر بقوله : % ( فأصبح ذلك كالسامري % .
إذ قال موسى له لا مساسا .
) % .
ومنه قول رؤبة : .
حتى تقول الأزد لا مساسا .
وقيل : أراد موسى قتله فمنعه الله من قتله لأنه كان شيخاً . قال بعض شيوخنا وقد وقع مثل هذا في شرعنا في