@ 136 @ والكلام معاً يدلان عليه ، أما الحال فلأنها كانت حال سفر ، وأما الكلام فلأن قوله { حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له ، فلا بد أن يكون المعنى لا يبرح مسيري { حَتَّى أَبْلُغَ } على أن { حَتَّى أَبْلُغَ } هو الخبر ، فاما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم ، فانقلب الفعل عن ضمير الغائب إلى لفظ المتكلم وهو وجه لطيف انتهى . وهما وجهان خلطهما الزمخشري : أما الأول : فجعل الفعل مسنداً إلى المتكلم وهو وجه وتقديراً وجعل الخبر محذوفاً كما قدره ابن عطية و { حَتَّى أَبْلُغَ } فضلة متعلقة بالخبر المحذوف وغاية له . والوجه الثاني جعل { لا أَبْرَحُ } مسنداً من حيث اللفظ إلى المتكلم ، ومن حيث المعنى إلى ذلك المقدر المحذوف وجعله { لا أَبْرَحُ } هو { حَتَّى أَبْلُغَ } فهو عمدة إذ أصله خبر للمبتدأ لأنه خبر { أَبْرَحَ } . .
وقال الزمخشري . أيضاً : ويجوز أن يكون المعنى { لا أَبْرَحُ } ما أنا عليه بمعنى ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه { حَتَّى أَبْلُغَ } كما تقول لا أبرح المكان انتهى . يعني إن برح يكون بمعنى فارق فيتعدى إذ ذاك إلى مفعول ويحتاج هذا إلى صحة نقل ، وذكر الطبري عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر ، فلما استقرت الحال خطب يوماً فذكر بآلاء الله وأيامه عند بني إسرائيل ، ثم ذكر ما هو عليه من أنه لا يعلم أحداً أعلم منه . .
قال ابن عطية : وما يرى قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلاّ في هذا الكلام ، وما أراه يصح بل المتظاهر أن موسى مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين ، وهذا المروي عن ابن عباس ذكره الزمخشري فقال : روي أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بعد هلاك القبط أمره الله أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيباً فذكر نعمة الله ، وقال : إن الله اصطفى نبيكم وكلمه فقالوا له : قد علمنا هذا فأي الناس أعلم ؟ قال : أنا فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إلى الله فأوحى الله إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر ، كان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى ، وذكر أيضاً في أسئلة موسى أنه قال : إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه ، قال : أعلم منك الخضر انتهى . وهذا مخالف لما ثبت في الصحيح من أنه قيل له هل أحد أعلم منك ؟ قال : لا . .
و { مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } قال مجاهد وقتادة : هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم . قال ابن عطية : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان ، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجتمع البحرين على هذا القول . وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي : هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا . وعن أبيّ بإفريقية . وقيل : هو بحر الأندلس والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء . وقيل : { مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } بحر ملح وبحر عذب فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر . وقالت فرقة : البحران كناية عن موسى والخضر لأنهما بحر اعلم . وهذا شبيه بتفسير الباطنية وغلاة الصوفية ، والأحاديث تدل على أنهما بحراً بماء . .
وقال الزمخشري : من بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر لأنهما كانا بحرين في العلم انتهى . وقيل : بحر القلزم . وقيل : بحر الأزرق . وقرأ الضحاك وعبد الله بن مسلم بن يسار { مَجْمَعَ } بكسر الميم الثانية والنضر عن ابن مسلم في كلا الحرفين وهو شاذ ، وقياسه من يفعل فتح الميم كقراءة الجمهور . والظاهر أن { مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } هو اسم مكان جمع البحرين . وقيل : مصدر . .
قال ابن عباس : الحقب الدهر . وقال عبد الله بن عمرو وأبو هريرة : ثمانون سنة . وقال الحسن : سبعون . وقيل : سنة بلغة قريش ذكره الفراء . وقيل : وقت غير محدود قاله أبو عبيدة . والظاهر أن قوله { أَوْ أَمْضِىَ } معطوف على { أَبْلُغُ } فغيا بأحد الأمرين إما ببلوغه المجمع وإما بمضيه { حُقُباً } . وقيل : هي تغيية لقوله { لا أَبْرَحُ } كقولك لا أفارقك أو تقضيني حقي ، فالمعنى { لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغ