@ 77 @ .
فأتاه فعل ماض دخلت عليه أداة الشرط فخلصته للاستقبال ، وأفهم كلام الزمخشري أن يقول : وإن كان مرفوعاً هو جواب الشرط الذي هو وإن أتاه ، وهذا الذي ذهب إليه هو مخالف لمذهب سيبويه ولمذهب الكوفيين والمبرد ، لأن مذهب سيبويه في مثل هذا التركيب وهو أن يكون فعل الشرط ماضياً وبعده مضارع مرفوع أن ذلك المضارع هو على نية التقديم وجواب الشرط محذوف ، ومذهب الكوفيين والمبرد أنه الجواب لكنه على حذف الفاء ، ومذهب ثالث وهو أنه هو جواب الشرط وهو الذي قال به الزمخشري والكلام على هذه المذاهب مذكور في علم النحو . .
وقال الزمخشري : والعجب من المذاهب ومن زعمهم أن القرآن قديم مع اعترافهم بأنه معجز ، وإنما يكون المعجز حيث تكون القدرة فيقال : الله قادر على خلق الأجسام والعباد عاجزون عنه ، والمحال الذي لا مجال للقدرة فيه ولا مدخل لها فيه كثاني القديم فلا يقال للفاعل قد عجز عنه ولا هو معجز ، ولو قيل ذلك لجاز وصف الله بالعجز لأنه لا يوصف بالقدرة على المحال إلاّ أن يكابروا فيقولوا : هو قادر على المحال فإن رأس مالهم المكابرة وقلب الحقائق انتهى . وتكرر لفظ مثل في قوله : { لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } على سبيل التأكيد والتوضيح ، وأن المراد منهم { أَن يَأْتُواْ } بمثله إذ قد يراد بمثل الشيء في موضع الشيء نفسه ، فبين بتكرار { بِمِثْلِهِ } ولم يكن التركيب { لاَ يَأْتُونَ } به رفعاً لهذا الاحتمال ، وأن المطلوب منهم أن يأتوا بالمثل لا أن يأتوا بالقرآن . .
ولما ذكر تعالى عجز الإنس والجن عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن نبه على فضله تعالى بما ردّد فيه وضرب من الأمثال والعبر التي تدل على توحيده تعالى ، ومع كثرة ما ردد من الأمثلة وأسبغ من النعم لم يكونوا إلاّ كافرين به وبنعمه . وقرأ الجمهور : { صَرَفْنَا } بتشديد الراء والحسن بتخفيفها ، والظاهر أن مفعول { صَرَفْنَا } محذوف تقديره البينات والعبر و { مِنْ } لابتداء الغاية . وقال ابن عطية : ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة التقدير ولقد { صَرَفْنَا } { كُلّ مَثَلٍ } انتهى . يعني فيكون مفعول { صَرَفْنَا } { كُلّ مَثَلٍ } وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين والأخفش لا على مذهب جمهور البصريين ، والظاهر أن المراد بالمثل هو القول الغريب السائر في الآفاق ، والقرآن ملآن من الأمثال التي ضربها الله تعالى . .
وقال الزمخشري : { مِن كُلّ مَثَلٍ } من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه . وقال أبو عبد الله الرازي : { مِن كُلّ مَثَلٍ } إشارة إلى التحدّي به بالجهات المختلفة كالتحدي بكل القرآن كالذي هنا ، وبسورة مثله وبكلام من سورة كقوله { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ } ومع ظهور عجزهم أبو { إِلاَّ كُفُورًا } انتهى ملخصاً . وقيل : { مِن كُلّ مَثَلٍ } من الترغيب والترهيب وأنباء الأولين والآخرين وذكر الجنة والنار وأكثر الناس . قيل : من كان في عهد الرسول من المشركين وأهل الكتاب . وقيل : أهل مكة وهو الظاهر بدليل ما أتى بعده من قوله { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ } وتقدم القول في دخول { إِلا } بعد { أَبَى } في سورة براءة . وروي في مقالتهم هذه أخبار مطولة هي في كتب الحديث والسير ملخصها أن صناديد قريش اجتمعوا وسيروا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ) ، فلما جاء إليهم جرت بينهم محاورات في ترك دينهم وطلبه منهم أن يوحدوا ويعبدوا الله فأرغبوه بالمال والرئاسة والملك فأبى ، فقال : ( لست أطلب ذلك ) . فاقترحوا عليه الست الآيات التي ذكرها الله هنا ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما تحداهم بأن { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ } فتبين عجزهم عن ذلك وإعجازه ، وانضمت إليه معجزات أخر وبينات واضحة فلزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعللون باقتراح آيات فعل الحائر المبهوت المحجوج ، فقالوا ما حكاه الله عنهم . .
وقرأ الكوفيون : { * تفجره } من فجر مخففاً وباقي السبعة من فجر مشدداً ، والتضعيف للمبالغة لا للتعدية ، والأعمش وعبد الله بن مسلم بن يسار من أفجر رباعياً وهي لغة في فجر الأرض هنا أرض مكة وهي الأرض التي فيها تصرف العالمين ومعاشهم ، روي عنهم أنهم قالوا له : أزل جبال مكة وفجر لنا { الاْرْضِ يَنْبُوعًا