@ 57 @ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنتُمْ } . .
لما ذكر تعالى وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم وأنها تضر وتنفع ، وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم ، وتمكينه من وسوسة ذريته وستويله ذكر ما يدل من أفعاله على وحدانيته ، وأنه هو النافع الضار المتصرف في خلقه بما يشاء ، فذكر إحسانه إليهم بحراً وبراً ، وأنه تعالى متمكن بقدرته مما يريده . وإزجاء الفلك سوقها من مكان إلى مكان بالريح اللينة والمجاديف ، وذلك من رحمته بعباده وابتغاء الفضل طلب التجارة أو الحج فيه أو الغزو . والضر في البحر الخوف من الغرق باضطرابه وعصف الريح ، ومعنى { ضَلَّ } ذهب عن أوهامكم من تدعونه إلهاً فيشفع أو ينفع ، أو { ضَلَّ } من تعبدونه إلاّ الله وحده فتفردونه إذ ذاك بالالتجاء إليه والاعتقاد أنه لا يكشف الضر إلاّ هو ولا يرجون لكشف الضر غيره . ثم ذكر حالهم إذ كشف عنهم من إعراضهم عنه وكفرانهم نعمة إنجائهم من الغرق ، وجاءت صفة { كَفُورًا } دلالة على المبالغة ، ثم لم يخاطبهم بذلك بل أسند ذلك إلى الإنسان لطفاً بهم وإحالة على الجنس إذ كل أحد لا يكاد يؤدّي شكر نعم الله . .
وقال الزجاج : المراد بالإنسان الكفار ، والظاهر أن { إِلاَّ إِيَّاهُ } استثناء منقطع لأنه لم يندرج من قوله { مَن تَدْعُونَ } إذ المعنى ضلت آلهتهم أي معبوداتهم وهم لا يعبدون الله . وقيل : هو استثناء متصل وهذا على معنى ضل من يلجؤون إليه وهم كانوا يلجؤون في بعض أمورهم إلى معبوداتهم ، وفي هذه الحالة لا يلجؤون إلاّ إلى الله والهمزة في { أَفَأَمِنتُمْ } للإنكار . قال الزمخشري : والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم انتهى . وتقدم لنا الكلام معه في دعواه أن الفاء والواو في مثل هذا التركيب للعطف على محذوف بين الهمزة وحرف العطف ، وأن مذهب الجماعة أن لا محذوف هناك ، وأن الفاء والواو للعطف على ما قبلها وأنه اعتنى بهمزة الاستفهام لكونها لها صدر الكلام فقدمت والنية التأخير ، وأن التقدير فأمنتم . وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة والخطاب للسابق ذكرهم أي { أَفَأَمِنتُمْ } أيها الناجون المعرضون عن صنع الله الذي نجاكم ، وانتصب { جَانِبٍ } على المفعول به بنخسف كقوله { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الاْرْضَ } والمعنى أن تغيره بكم فتهلكون بذلك . وقال الزمخشري : أن نقلبه وأنتم عليه . .
وقال الحوفي : { جَانِبَ الْبَرّ } منصوب على الظرف ، ولما كان الخسف تغييباً في التراب قال : { جَانِبَ الْبَرّ } و { بِكُمْ } حال أي نخسف { جَانِبَ الْبَرّ } مصحوباً بكم . وقيل : الباء للسبب أي بسببكم ، ويكون المعنى { جَانِبَ الْبَرّ } الذي أنتم فيه ، فيحصل بخسفه إهلاكهم وإلاّ فلا يلزم من خسف { جَانِبَ الْبَرّ } بسببهم إهلاكهم . .
قال قتادة : الحاصب الحجارة . وقال السدّي : رام يرميكم بحجارة من سجيل ، والمعنى أن قدرته تعالى بالغة فإن كان نجاكم من الغرق وكفرتم نعمته فلا تأمنوا إهلاكه إياكم وأنتم في البر ، إما بأمر يكون من تحتكم وهو تغوير الأرض بكم ، أو من فوقكم بإرسال حاصب عليكم ، وهذه الغاية في تمكن القدرة ثم { لاَ تَجِدُواْ } عند حلول أحد هذين بكم من تكلون أموركم إليه فيتوكل في صرف ذلك عنكم . و { أَمْ } في { أَمْ أَمِنتُمْ } منقطعة تقدر بيل ، والهمزة أي بل { أَمِنتُمْ } والضمير في { فِيهِ } عائد على البحر ، وانتصب تارة على الظرف أي وقتاً غير الوقت الأول ، والباء في { بِمَا كَفَرْتُمْ } سببية وما مصدرية ، أي بسبب كفركم السابق منكم ، والوقت الأول الذي نجاكم فيه أو بسبب كفركم الذي هو دأبكم دائماً . والضمير في { بِهِ } عائد على المصدر الدال عليه فنغرقكم ، إذ هو أقرب مذكور وهو نتيجة الإرسال . وقيل عائد على الإرسال . وقيل : عليهما فيكون كاسم الإشارة والمعنى بما وقع من الإرسال والإغراق . والتبيع قال ابن عباس : النصير ، وقال الفراء : طالب الثأر . وقال أبو عبيدة : المطالب . وقال الزجّاج : من يتبع بالإنكار ما نزل بكم ، ونظيره قوله تعالى { فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } وفي الحديث : ( إذا اتّبع أحدكم على