@ 36 @ حكمة لأن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع الطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، والعقول تدل على صحتها وهي شرائع في جميع الأديان لا تقبل النسخ . .
وعن ابن عباس : إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام ، أولها { لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا ءاخَرَ } قال تعالى : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاْلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } وكرر تعالى النهي عن الشرك ، ففي النهي الأول . { فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً } وفي الثاني { فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا } والفرق بين مذموم وملوم أن كونه مذموماً أن يذكر أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح منكر ، وكونه ملوماً أن يقال له بعد الفعل وذمّه لم فعلت كذا وما حملك عليه وما استفذت منه إلاّ إلحاق الضرر بنفسك ، فأول الأمر الذم وآخره اللوم ، والفرق بين مخذول ومدحور أن المخذول هو المتروك إعانته ونصره والمفوض إلى نفسه ، والمدحور المطرود المبعد على سبيل الإهانة له والاستخفاف به ، فأول الأمر الخذلان وآخره الطرد مهاناً . وكان وصف الذم والخذلان يكون في الدنيا ووصف اللوم والدحور يكون في الآخرة ، ولذلك جاء { فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ } والخطاب بالنهي في هذه الآيات للسامع غير الرسول . وقال الزمخشري : ولقد جعل الله عز وعلا فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها ، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذَّ فيها الحكماء وحك بيافوخه السماء ، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم . .
{ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَاذَا الْقُرْءانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا * قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّا كَبِيرًا * تُسَبّحُ لَهُ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } . .
لما نبه تعالى على فساد من أثبت لله شريكاً ونظيراً أتبعه بفساد طريقة من أثبت لله ولداً ، والاستفهام معناه الإنكار والتوبيخ والخطاب لمن اعتقد أن الملائكة بنات الله ومعنى { أَفَأَصْفَاكُمْ } آثركم وخصكم وهذا كما قال : { إِلَهٍ * الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى } وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم ، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب ويكون أردؤها وأدونها للسادات . ومعنى { عَظِيماً } مبالغاً في المنكر والقبح حيث أضفتم إليه الأولاد ثم حيث فضلتم عليه تعالى أنفسكم فجعلتم له ما تكرهون ، ثم نسبة الملائكة الذين هم من شريف ما خلق إلى الأنوثة . ومعنى { صَرَفْنَا } نوعنا من جهة إلى جهة ومن مثال إلى مثال ، والتصريف لغة صرف الشيء من جهة إلى جهة ثم صار كناية عن التبيين . وقرأ الجمهور { وَصَرَّفْنَا } بتشديد الراء . فقال : لم نجعله نوعاً واحداً بل وعداً ووعيداً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وأمراً ونهياً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وأخباراً وأمثالاً مثل تصريف الرياح من صباودبور وجنوب وشمال ، ومفعول { صَرَفْنَا }