@ 496 @ والاختيار . والإيحاء هنا الإلهام والإلقاء في روعها ، وتعليمها على وجه هو تعالى أعلم بكنهه لا سبيل إلى الوقوف عليه . والنحل : جنس واحده نحلة ، ويؤنث في لغة الحجاز ، ولذلك قال : أن اتحذي . وقرأ ابن وثاب : النحل بفتح الحاء ، وأن تفسيرية ، لأنه تقدم معنى القول وهو : وأوحى . أو مصدرية أي : باتخاذ ، قال أبو عبد الله الرازي : أنْ هي المفسرة لما في الوحي من معنى القول ، هذا قول جمهور المفسرين وفيه نظر . لأنّ الوحي هنا بإجماع منهم هو الإلهام ، وليس في الإلهام معنى القول ، وقال : قرر تعالى في أنفسها الأعمال العجيبة التي يعجز عنها للعقلاء من البشر منها بناؤها البيوت المسدسة من أضلاع ، متساوية بمجرد طباعها ، ولا يتم مثل ذلك العقلاء إلا بآلات كالمسطرة والبركان ، ولم تبنها بأشكال غير تلك ، فتضيق تلك البيوت عنها لبقاء فرج لا تسعها ، ولها أمير أكبر جثة منها نافذ الحكم يخدمونه ، وإذ نفرت عن وكرها إلى موضع آخر وأرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول وآلات المويسيقا ، وبوساطة تلك الألحان تعود إلى وكرها ، فلما امتازت بهذه الخواص العجيبة وليس إلا على سبيل الإلهام ، وهي حالة تشبه الوحي لذلك قال : وأوحى ربك إلى النحل . انتهى ملخصاً . ومِنْ للتبعيض لأنها لا تبنى في كل جبل ، وكل شجر ، وكل ما يعرش ، ولا في كل مكان منها . والظاهر أن البيوت هنا عبارة عن الكوى التي تكون في الجبال ، وفي متجوف الأشجار . وأما من ما يعرش ابن آدم فالخلايا التي يصنها للنحل ابن آدم ، والكوى التي تكون في الحيطان . ولما كان النحل نوعين : منه ما مقره في الجبال والغياض ولا يتعهده أحد ، ومنه ما يكون في بيوت الناس ويتعهد في الخلايا ونحوها ، شمل الأمر باتخاذ البيوت النوعين . وقال الزمخشري : ما يدل على أنّ البيوت ليست الكوى ، وإنما هي ما تبنيه هي ، فقال : أريد منى البعضية ، يعني بمن ، وأنْ لا يبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكلّ ما يعرش . وقال ابن زيد : ومما يعرشون الكروم . وقال الطبري : مما يبنون من السقوف . قال ابن عطية : وهذا منهما تفسير غير متقن انتهى . وقرأ السلمي ، وعبيد بن نضلة ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : بضم الراء ، وباقي السبعة بكسرها ، وتقتضي ثم المهلة والتراخي بين الاتخاذ والأكل الذي تدخر منه العسل ، فلذلك كان العطف بثم وهو معطوف على اتخذي ، وهو أمر معطوف على أمر ، وسيأتي الكلام على أمر غير المكلف في قوله : { نَمْلَةٌ يأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } إن شاء الله وكل الثمرات عام مخصوص أي : المعتادة ، لا كلها . قال الزمخشري : أي ابني البيوت ثم كلي من كل ثمرة تشتهيها انتهى . فدل قوله : أي ابني البيوت ، أنه لا يريد بقوله بيوتاً الكوى التي في الجبال ومتجوف الأشجار ولا الخلايا ، وإنما يراد البيوت المسدسة التي تبينها هي . وظاهر مِن في قوله : من كل الثمرات أنها للتبعيض ، فتأكل من الأشجار الطيبة والأوراق العطرة أشياء يولد الله منها في أجوافها عسلاً . قال ابن عطية : إنما تأكل النوّار من الأشجار . .
وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : يحدث الله تعالى في الهواء ظلاً كثيراً يجتمع منه أجزاء محسوسة مثل النرنجبين وهو محسوس ، وقليلاً لطيف الأجزاء صغيرها ، وهو الذي ألهم الله تعالى النحل التقاطه من الأزهار وأوراق الأشجار ، وتغتذي بها فإذا شبعت التقطت بأفواهها شيئاً من تلك الأجزاء ، ووضعتها في بيوتها كأنها تحاول أن تدخر لنفسها غذاءها ، فالمجتمع من ذلك هو العسل . وعلى هذا القول تكون من لابتداء الغاية ، لا للتبعيض انتهى . وظاهر العطف بالفاء في فاسلكي أنه بعقيب الأكل أي : فإذا أكلت فاسلكي سبل ربك ، أي طرق ربك إلى بيوتك راجعة ، والسبل إذ ذاك مسالكها في الطيران . وربما أخذت مكانها فانتجعت المكان البعيد ، ثم عادت إلى مكانها الأول . وقيل : سبل ربك أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل ، أو فاسلكي ما أكلت أي : في سبل ربك ، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلاً من أجوافك ومنافذ مأكلك . وعلى هذا القول ينتصب سبل ربك على الظرف ، وعلى ما قبله ينتصب على المفعول به . وقيل : المراد بقوله ثم كلي ، ثم اقصدي الأكل من الثمرات فاسلكي في طلبها سبل ربك ، وهذا القول والقول الأول أقرب في المجاز في سبل ربك من القولين اللذين بينهما ، إلا أنّ كلي بمعنى اقصدي الأكل ، مجاز أضاف السبل إلى رب النحل من حيث أنه تعالى هو