@ 494 @ العروق ، واللبن إلى الضروع . .
وقال أبو عبد الله الرازي : قال المفسرون : المراد من قوله من بين فرث ودم ، هو أنّ هذه الثلاثة تتولد في موضع واحد ، فالفرث يكون في أسفل الكرش ، والدم في أعلاه ، واللبن في الوسط ، وقد دللنا على أنّ هذا القول على خلاف الحس والتجربة ، وكان الرازي قد قدم أن الحيوان يذبح ولا يرى في كرشه دم ولا لبن ، بل الحق أنّ الغذاء إذا تناوله الحيوان وصل إلى الكرش وانطبخ وحصل الهضم الأول فيه ، فما كان منه كثيفاً نزل إلى الأمعاء ، وصافياً انحدر إلى الكبد فينطبخ فيها ويصير دماً ، وهو الهضم الثاني مخلوطاً بالصفراء والسوداء وزيادة المائية ، فتذهب الصفراء إلى المرارة ، والسوداء إلى الطحال ، والماء إلى الكلية ، وخالص الدم يذهب إلى الأوردة وهي العروق النابتة من الكبد فيحصل الهضم الثالث . وبين الكبد وبين الضرع عروق كثيرة ينصب الدم من تلك العروق إلى الضرع ، وهو لحم رخو أبيض فينقلب من صورة الدم إلى صورة اللبن ، فهذا هو الصحيح في كيفية توالد اللبن انتهى ملخصاً . وقال أيضاً : وأما نحن فنقول : المراد من الآية هو أنّ اللبن إنما يتولد من بعض أجزاء الدم ، والدم إنما يتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث ، وهي الأشياء المأكولة الحاصلة في الكرش . فاللبن متولد مما كان حاصلاً فيما بين الفرث أولاً ، ثم مما كان حاصلاً فيما بين الدم ثانياً انتهى ، ملخصاً أيضاً . .
والذي يظهر من لفظ الآية أنّ اللبن يكون وسطاً بين الفرث والدم ، والبينية يحتمل أن تكون باعتبار المكانية حقيقة كما قاله المفسرون وادعى الرازي أنه على خلاف الحس والمشاهدة . ويحتمل أن تكون البينية مجازية ، باعتبار تولده من ما حصل في الفرث أولاً ، وتولده من الدم الناشىء من لطيف ما كان في الفرث ثانياً كما قرره الرازي . ومِن الأولى للتبعيض متعلقة بنسقيكم ، والثانية لابتداء الغاية متعلقة بنسقيكم ، وجاز تعلقهما بعامل واحد لاختلاف مدلوليهما . ويجوز أن يكون من بين في موضع الحال ، فتتعلق بمحذوف ، لأنه لو تأخر لكان صفة أي : كائناً من بين فرث ودم . ويجوز أن يكون من بين فرث بدلاً من ما في بطونه . وقرأت فرقة : سيغاً بتشديد الياء ، وعيسى بن عمر : سيغاً مخففاً من سيغ كهين المخفف من هين ، وليس بفعل لازم كان يكون سوغاً . والسائغ : السهل في الحلق اللذيذ ، وروي في الحديث ( أنّ اللبن لم شرق به أحد قط ) ولما ذكر تعالى ما منّ به من بعض منافع الحيوان ، ذكر ما منّ به من بعض منافع النبات . والظاهر تعلق من ثمرات بتتخذون ، وكررت من للتأكيد ، وكان الضمير مفرداً راعياً لمحذوف أي : ومن عصير ثمرات ، أو على معنى الثمرات وهو الثمر ، أو بتقدير من المذكور . وقيل : تتعلق بنسقيكم ، فيكون معطوفاً على مما في بطونه ، أو بنسقيكم محذوفة دل عليها نسقيكم المتقدمة ، فيكون من عطف الجمل ، والذي قبله من عطف المفردات إذا اشتركا في العامل . وقيل : معطوف على الأنعام أي : ومن ثمرات النخيل والأعناب عبرة ، ثم بين العبرة بقوله : تتخذون . وقال الطبري : التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون . فحذف ما هو لا يجوز على مذهب البصريين ، وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف كقوله : بكفي كان من أرمي البشر . تقديره : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه انتهى . وهذا الذي أجازه قاله الحوفي قال : أي وإن من ثمرات ، وإن شئت شيء بالرفع بالابتداء ، ومن ثمرات خبره انتهى . .
والسكر في اللغة الخمر . قال الشاعر :