@ 489 @ عيسى على قراءة هوان على وزن فعال . وقرأت فرقة : أيمسكه بضمير التذكير ، أم يدسها بضمير التأنيث . وقرأت فرقة : على هون بفتح الهاء . وقرأ الأعمش : على سوء ، وهي عندي تفسير لا قراءة ، لمخالفتها السواد المجمع عليه . ومعنى الإمساك حبسه وتربيته ، والهون الهوان كما قال : { عَذَابَ الْهُونِ } والهون بالفتح الرفق واللبن ، { يَمْشُونَ عَلَى الاْرْضِ هَوْناً } وفي قوله : على هون قولان : أحدهما : أنه حال من الفاعل ، وهو مروي عن ابن عباس . قال ابن عباس : إنه صفة للأب ، والمعنى : أيمسكها مع رضاه بهوان نفسه ، وعلى رغم أنفه ؟ وقيل : حال من المفعول أي : أيمسكها مهانة ذليلة ، والظاهر من قوله : أم يدسه في التراب ، إنه يئدها وهو دفنها حية حتى تموت . وقيل : دسها إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف كالمدسوس في التراب . والظاهر من قوله : ألا ساء ما يحكمون ، رجوعه إلى قوله : ويجعلون لله البنات الآية أي : ساء ما يحكمون في نسبتهم إلى الله ما هو مستكره عندهم ، نافر عنهن طبعهم ، بحيث لا يحتملون نسبتهن إليهن ، ويئدونهن استنكافاً منهن ، وينسبون إليهم الذكر كما قال : { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى } وقال ابن عطية : ومعنى الآية يدبر أيمسك هذه الأنثى على هوان يتجلد له ، أم يئدها فيدفنها حية فهو الدس في التراب ؟ ثم استقبح الله سوء فعلهم وحكمهم بهذا في بناتهم ورزق الجميع على الله انتهى . فعلق ألا ساء ما يحكمون بصنعهم في بناتهم مثل السوء . قيل : مثل بمعنى صفة أي : صفة السوء ، وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث ، ووأدهن خشية الإملاق وإقرارهم على أنفسهم بالشح البالغ . ولله المثل الأعلى أي : الصفة العليا ، وهي الغنى عن العالمين ، والنزاهة عن سمات المحدثين . وقيل : مثل السوء هو وصفهم الله تعالى بأن له البنات ، وسماه مثل السوء لنسبتهم الولد إلى الله ، وخصوصاً على طريق الأنوثة التي هم يستنكفون منها . وقال ابن عباس : مثل السوء النار . وقال ابن عطية : قالت فرقة مثل بمعنى صفة أي : لهؤلاء صفة السوء ، ولله الوصف الأعلى ، وهذا لا نضطرّ إليه لأنه خروج عن اللفظ ، بل قوله : مثل ، على بابه وذلك أنهم إذا قالوا : أن البنات لله فقد جعلوا لله مثلاً ، فالبنات من البشر وكثرة البنات مكروه عندهم ذميم فهو المثل السوء . والذي أخبر الله تعالى أنهم لهم وليس في البنات فقط ، بل لما جعلوه هم البنات جعله هو هلم على الإطلاق في كل سوء ، ولا غاية أبعد من عذاب النار . وقوله : ولله المثل الأعلى ، على الإطلاق أي : الكمال المستغنى . وقال قتادة : المثل الأعلى لا إله إلا الله انتهى ، وقول قتادة مروي عن ابن عباس . ولما تقدم قوله : ويجعلون لله البنات الآية تقدم ما نسبوا إلى الله ، وأتى ثانياً ما كان منسوباً لأنفسهم ، وبدأ هنا بقوله : للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ، وأتى بعد ذلك بما يقابل قوله : سبحانه وتعالى من التنزيه وهو قوله : ولله المثل الأعلى ، وهو الوصف المنزه عن سمات الحدوث والتوالد ، وهو الوصف الأعلى الذي ليس يشركه فيه غيره ، وناسب الختم بالعزيز وهو الذي لا يوجد نظيره ، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها . .
{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلاكِن يُؤَخِرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآء أَجَلُهُمْ لاَ } :