@ 416 @ تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص ، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال أي : لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة ، ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات ، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله انتهى . ولما أطال تعالى الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء ، وكان حصول السعادة بمعرفة الله وصفاته ، والشقاوة بالجهل ، بذلك ختم وصفه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته فقال : الله الذي خلق السموات والأرض وذكر عشرة أنواع من الدلائل فذكر أولاً إبداعه وإنشاء السموات والأرض ، ثم أعقب بباقي الدلائل ، وأبرزها في جمل مستقلة ليدل وينبّه على أنّ كل جملة منها مستقلة في الدلالة ، ولم يجعل متعلقاتها معطوفات عطف المفرد على المفرد ، والله مرفوع على الابتداء ، والذي خبره . قال ابن عطية : ومن أخبر بذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق انتهى . يشير إلى ما تقدم من قوله : إنّ معمول قل هو قوله تعالى الله الذي خلق السموات والأرض الآية . فكأنه يقول : يقيموا الصلاة ، جواب لقوله : قل لعبادي الله الذي خلق السموات والأرض . والظاهر أن مفعول أخرج هو رزقاً لكم ، ومِنْ للتبعيض . ولما تقدّم على النكرة كان في موضع الحال ، ويكون المعنى : إن الرزق هو بعض جنى الأشجار ، ويخرج منها ما ليس برزق كالمجرد للمضرات . ويجوز أن تكون مِن لبيان الجنس قاله ابن عطية والزمخشري ، وكأنه قال : فأخرج به رزقاً لكم هو الثمرات . وهذا ليس بجيد ، لأنّ من التي لبيان الجنس إنما تأتي بعد المبهم الذي تبينه . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من الثمرات مفعول أخرج ، ورزقاً حالاً من المفعول ، أو نصباً على المصدر من أخرج ، لأنه في معنى رزق . وقيل : من زائدة ، وهذا لا يجوز عند جمهور البصريين ، لأنّ ما قبلها واجب ، وبعدها معرفة ، ويجوز عند الأخفش . والفلك هنا جمع فلك ، ولذلك قال : لتجري . ومعنى بأمره : راجع إلى الأمر القائم بالذات . وقال الزمخشري : لقوله ، كن . .
.
) % .
وانطوى في تسخير الفلك تسخير البحار ، وتسخير الرياح . وأما تسخير الأنهار فبجريانها وبتفجيرها للانتفاع بها . وانتصب دائبين على الحال والمعنى : يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات ، عن مقاتل بن حبان يرفعه إلى ابن عباس أنه قال : معناه دائبين في طاعة الله . قال ابن عطية : وهذا قول إن كان يراد به أنّ الطاعة انقياد منهما في التسخير ، فذلك موجود في قوله : سخر ، وإن كان يراد أنها طاعة مقصودة كطاعة العبادة من البشر فهذا جيد ، والله أعلم انتهى . وتسخير الليل والنهار كونهما يتعاقبان خلفه للمنام والمعاش . وقال المتكلمون : تسخير الليل والنهار مجاز ، لأنّهما عرضان ، والاعراض لا تسخر . ولما ذكر تعالى تلك النعم العظيمة ، ذكر أنه لم يقتصر عليها فقال : وآتاكم من كل ما سألتموه ، والخطاب للجنس من البشر أي : أي الإنسان قد أوتي من كل ما شأن أنْ يسأل وينتفع به ، ولا يطرد هذا في كل واحد واحد من الناس ، وإنما تفرقت هذه النعم في البشر فيقال : بحسب هذا الجميع أوتيتم كذا على جهة التقرير للنعمة . .
وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، والحسن ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وعمرو بن قائد ، وقتادة ، وسلام ، ويعقوب ، ونافع في رواية : من كل بالتنوين ، أي : من كل هذه المخلوقات المذكورات . وما موصولة مفعول ثان أي : ما شأنه أن يسأل بمعنى يطلب الانتفاع به . وقيل : ما نافية ، والمفعول الثاني هو من كل كقوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء } أي غير سائليه . أخبر بسبوغ نعمته عليهم بما لم يسألوه من النعم ، ولم يعرض لما سألوه . والجملة المنفية في موضع نصب على الحال ، وهذا القول بدأ به الزمخشري ، وثنى به ابن عطية وقال : إنه تفسير الضحاك . وهذا التفسير يظهر أنه مناف لقراءة الجمهور من كل ما سألتموه بالإضافة ، لأنّ في تلك القراءة على ذلك التخريج تكون ما نافية ، فيكونون لم يسألوه . وفي هذه القراءة يكونون قد سألوه ، وما بمعنى الذي . وأجيز أن تكون مصدرية ، ويكون المصدر بمعنى المفعول . ولما أحس الزمخشري بظهور التنافي بين هذه القراءة وبين تلك على تقدير أنّ ما نافية قال : ويجوز أن تكون ما موصولة على وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه ، ولم تصلح أحوالكم ومعائشكم إلا به ، فكأنكم سألتموه ، أو طلبتموه بلسان الحال . فتأول سألتموه بقوله : ما احتجتم إليه . والضمير في سألتموه