@ 406 @ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْء قَالُواْ ( سقط : لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبر نا ما لنا من محيص } : قرأ السلمي ألم تر بسكون الراء ، ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف . وتوجيه آخر وهو أنْ ترى حذفت العرب ألفها في قولهم : قام القوم ولو تر ما زيد ، كما حذفت ياء لا أبالي في لا أبال ، فلما دخل الجازم تخيل أنّ الراء هي آخر الكلمة فسكنت للجازم كما قالوا في : لا أبالي لم أبل ، تخيلوا اللام آخر الكلمة . والرؤية هنا بمعنى العلم ، فهي من رؤية القلب . وقرأ الإخوان : خالق اسم فاعل ، والأرض بالخفض . قرأ باقي السبعة : خلق فعلاً ماضياً ، والأرض بالفتح . ومعنى بالحق قال الزمخشري : بالحكمة ، والغرض الصحيح ، والأمر العظيم ، ولم يخلقها عبثاً ولا شهوة . وقال ابن عطية : بالحق أي بما يحق من جهة مصالح عباده ، وإنفاذ سابق قضائه ، وليدل عليه وعلى قدرته . وقيل : بقوله وكلامه . وقيل : بالحق حال أي محقاً ، والظاهر أن قوله : يذهبكم ، خطاب عام للناس . وعن ابن عباس : خطاب للكفار . ويأت بخلق جديد : يحتمل أن يكون المعنى : إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بناس آخرين من جنسكم آدميين ، ويحتمل من غير جنسكم . والأول قول جمهور المفسرين ، وتقدم نحو هذين الاحتمالين للمفسرين في قوله في النساء : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِاخَرِينَ } وبينا في ذلك أنه لا يحتمل إلا الوجه الأول . وما ذلك أي : وما ذهابكم والإتيان بخلق جديد بممتنع ولا متعذر عليه تعالى ، لأنه تعالى هو القادر على ما يشاء . وقال الزمخشري : لأنه قادر الذات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ، فإذا خلص له الداعي إلى شيء ، وانتفى الصارف ، تكون من غير توقف كتحريك أصبعك . وإذا دعا إليه داع ولم يعترض من دونه صارف انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال لقوله : القادر ، لأنهم يثبتون القادرية وينفون القدرة ، ولتشبيه فعله تعالى بفعل العبد في قوله : كتحريك أصبعك . وعندنا أن تحريك أصبعنا ليس إلا بقدرة الله تعالى ، وأنّ ما نسب إلينا من القدرة ليس مؤثراً في إيجاد شيء . .
وقال الزمخشري أيضاً : وهذه الآية بيان لإبعادهم في الضلال ، وعظيم خطبهم في الكفر بالله ، لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة ، وحكمته البالغة ، وأنه هو الحقيق بأن يعبد ويخاف عقابه ، ويرجى ثوابه في دار الجزاء انتهى . وبرزوا : أي ظهروا من قبورهم إلى جزاء الله وحسابه . وقال الزمخشري : ومعنى بروزهم الله ، والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ، ويظنون أنّ ذلك خاف على الله ، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم ، وعلماء أن الله لا تخفى عليه خافية . وقال ابن عطية : وبرزوا معناه صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة ، فاستعير ذلك لجميع يوم القيامة . وقال أبو عبد الله الرازي : تأويل الحكماء أنّ النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء وبقيت متجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها ، وذلك هو البروز لله تعالى . وهذا الرجل كثيراً ما يورد كلام الفلاسفة وهم مباينون لأهل الشرائع في تفسير كلام الله تعالى المنزل بلغة العرب ، والعرب لا تفهم شيئاً من مفاهيم أهل الفلسفة ، فتفسيرهم كاللغز والإحاجي ، ويسميهم هذا الرجل حكماء ، وهم من أجهل الكفرة بالله تعالى وبأنبيائه . والضمير في وبرزوا عائد على الخلق المحاسبين ، وعبر بلفظ الماضي لصدق المخبر به ، فكأنه قد وقع . وقرأ زيد بن علي : وبرزوا مبنياً للمفعول ، وبتشديد الراء . والضعفاء : الأتباع ، والعوام . وكتب بواو في المصحف قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو ، ومثله علموا بني إسرائيل . والذين استكبروا : هم رؤساؤهم وقاداتهم ، استغفروا الضعفاء واستتبعوهم . واستكبروا وتكبروا ، وأظهروا تعظيم أنفسهم . أو استكبروا عن اتباع الرسل وعبادة الله . وتبعاً : يحتمل أن يكون اسم جمع لتابع ، كخادم وخدم ، وغائب وغيب . ويحتمل أن يكون مصدراً كقوله : عدل ورضا . وهل أنتم مغنون ؟ استفهام معناه توبيخهم إياهم وتقريعهم ، وقد علموا أنهم لن يغنوا والمعنى :