@ 376 @ في الكتب المتقدمة والقرآن . وقيل : المأخوذ على ألسنة الرسل . وقيل : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والظاهر إضافة العهد إلى الفاعل أي : بما عهد الله . والظاهر أن قوله : ولا ينقضون الميثاق ، جملة توكيد به لقوله : يوفون بعهد الله ، لأن العهد هو الميثاق ، ويلزم من إيفاء العهد انتفاء نقيضه . وقال الزمخشري : وعهد الله ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . ولا ينقضون الميثاق ، ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله تعالى ، وغيره من المواثيق بينهم وبين الله تعالى وبين العباد تعميم بعد تخصيص انتهى . فأضاف العهد إلى المفعول ، وغاير بين الجملتين بكونن الثانية تعميماً بعد تخصيص انتهى . إذ أخذ الميثاق عام بينهم وبين الله وبين العباد . وقال ابن عطية : بعهد الله اسم الجنس أي : بجميع عهود الله ، وبين أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده . ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض ، وتجنب جميع المعاصي . وقوله : ولا ينقضون الميثاق . أي : إذا اعتقدوا في طاعة الله عهداً لم ينقضوه . قال قتادة : وتقدم وعيد الله إلى عبادة في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية ، ويحتمل أنه يشير إلى ميثاق معين وهو الذي أخذه تعالى على ظهر أبيهم آدم عليه السلام انتهى . .
وقال ابن العربي : من أعظم المواثيق في الذكر أن لا يسأل سواه ، وذكر قصة أبي حمزة الخراساني وقوعه في البئر ، ومرور الناس عليه ، وتغطيتهم البئر وهو لا يسألهم أن يخرجوه ، إلى أن جاء من أخرجه بغير سؤال ، ولم ير من أخرجه ، وهتف به هاتف : كيف رأيت ثمرة التوكل ؟ قال ابن العربي : هذا رجل عاهد الله فوجد الوفاء على التمام ، فاقتدوا به . وقد أنكر أبو الفرج بن الجوزي فعل أبي حمزة هذا وبين خطأه ، وأن التوكل لا ينافي الاستغاثة في تلك الحال . وذكر أنّ سفيان الثوري وغيره قالوا : إن إنساناً لو جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار . ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف بأبي حمزة الجاهل . .
وما أمر الله به أن يوصل ظاهره العموم في كل ما أمر به في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ) . وقال الحسن : المراد به صلة الرسول صلى الله عليه وسلم ) بالإيمان به ، وقال نحوه ابن جبير . وقال قتادة : الرحم . وقيل : صلة الإيمان بالعمل . وقيل : صلة قرابة الإسلام بإفشاء السلام ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، ومراعاة حق الجيران ، والرفقاء ، والأصحاب ، والخدم . وقيل : نصرة المؤمنين . وأمر يتعدى إلى اثنين بحرف جر وهو به ، والأول محذوف تقديره : ما أمرهم الله به . وأن يوصل في موضع جر بدل من الضمير أي : بوصله . ويخشون ربهم أي : وعيده كله . ويخافون سوء الحساب أي : استقصاء فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا . وقيل : يخشون ربهم يعظمونه . وقيل : في قطع الرحم . وقيل : في جميع المعاصي . وقيل : فيما أمرهم بوصله . وصبروا مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ، وميثاق التكليف . وجاءت الصلة هنا بلفظ الماضي ، وفي الموصلين قبل بلفظ المضارع في قوله : الذين يوفون ، والذين يصلون ، وما عطف عليهما على سبيل التفنن في الفصاحة ، لأنّ المبتدأ هنا في معنى اسم الشرط بالماضي كالمضارع في اسم الشرط ، فكذلك فيما أشبهه ، ولذلك قال النحويون : إذا وقع الماضي صلة أو صفة لنكرة عامة احتمل أن يراد به المضي ، وأن يراد به الاستقبال . فمن المراد به المضي في الصلاة { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ } ومن المراد به الاستقبال { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } . ويظهر أيضاً أن اختصاص هذه الصلة بالماضي وتينك بالمضارع ، أن تينك الصلتين قصد بهما الاستصحاب والالتباس دائماً ، وهذه الصلة قصد بها تقدمها على تينك الصلتين ، وما عطف عليهما ، لأنّ حصول تلك الصلاة إنما هي مترتبة على حصول الصبر وتقدمه عليها ، ولذلك لم تأت صلة في القرآن إلا بصيغة الماضي ، إذ هو شرط في حصول التكاليف وإيقاعها والله أعلم . وانتصب ابتغاء قيل : على أنه مصدر في موضع الحال ، والأولى أن يكون مفعولاً لأجله أي : إنّ صبرهم هو لابتغاء وجه الله خالصاً ، لا لرجاء أن يقال : ما أصبره ، ولا مخافة أن يعاب بالجزع ، أو تشمت به الأعداء ، كما قال :