@ 372 @ والدين ، فسالت أودية يريد القلوب ، أي : أخذ النبيل بحظه ، والبليد بحظه ، وهذا قول لا يصح والله أعلم عن ابن عباس ، لأنه ينحو إلى أقوال أصحاب الرموز ، وقد تمسك به الغزالي وأهل تلك الطريق ، ولا توجيه لإخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير علة تدعو إلى ذلك ، والله الموفق للصواب . وإن صح هذا القول عن ابن عباس ، فإنما قصد أن قوله تعالى : { كَذالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } ، معناه : الحق الذي يتقرر في القلوب ، والباطل الذي يعتريها أيضاً انتهى . والماء المطر . ونكر أودية لأنّ المطر إنما يدل على طريق المناوبة ، فتسيل بعض الأودية دون بعض . ومعنى بقدرها أي : على قدر صغرها وكبرها ، أو بما قدر لها من الماء بسبب نفع الممطور عليهم لا ضررهم . ألا ترى إلى قوله : وأما ما ينفع الناس ، فالمطر مثل للحق ، فهو نافع خال من الضرر . .
وقرأ الجمهور : بقدرها بفتح الدال . وقرأ الأشهب العقيلي ، وزيد بن علي ، وأبو عمرو في رواية : بسكونها . وقال الحوفي : بقدرها متعلق بسالت . وقال أبو البقاء : بقدرها صلة لا ودية ، وعرف السيل لأنه عنى به ما فهم من الفعل ، والذي يتضمنه الفعل من المصدر هو نكرة ، فإذا عاد عليه الظاهر كان معرفة ، كما كان لو صرح به نكرة ، ولذلك تضمن إذا عاد ما دل عليه الفعل من المصدر نحو : من كذب كان شراً له أي : كان الكذب شراً له ، ولو جاء هنا مضمراً لكان جائزاً عائداً على المصدر المفهوم من فسالت . واحتمل بمعنى حمل ، جاء فيه افتعل بمعنى المجرد كاقتدر وقدر . ورابياً منتفخاً عالياً على وجه السبيل ، ومنه الربوة . ومما توقدون عليه أي : ومن الأشياء الت توقدون عليها وهي الذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والقصدير ، ونحوها مما يوقد عليه وله زبد . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وابن محيصن ، ومجاهد ، وطلحة ، ويحيى ، وأهل الكوفة : يوقدون بالياء على الغيبة ، أي يوقد الناس . وقرأ باقي السبعة والحسن ، وأبو جعفر ، والأعرج ، وشيبة : بالتاء على الخطاب وعليه متعلق بتوقدون وفي النار . قال أبو علي ، والحوفي : متعلق بتقدون . وقال أبو علي : قد يوقد على كل شيء وليس في النار كقوله : { فَأَوْقِدْ لِى ياهَامَانُ ياهَامَانُ عَلَى الطّينِ } فذلك البناء الذي أمر به يوقد عليه ، وليس في النار ، لكن يصيبه لهبها . وقال مكي وغيره : في النار متعلق بمحذوف تقديره : كائناً ، أو ثابتاً . ومنعوا تعليقه بقوله : توقدون ، لأنهم زعموا أنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار ، وتعليق حرف الجر بتوقدون يتضمن تخصيص حال من حال أخرى انتهى . ولو قلنا : إنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار ، لجاز أن يكون متعلقاً بتوقدون ، ويجوز ذلك على سبيل التوكيد كما قالوا في قوله : يطير بجناحيه ، وانتصب ابتغاء على أنه مفعول من أجله ، وشروط المفعول من أجله موجودة فيه . وقال الحوفي : هو مصدر في موضع الحال أي : مبتغين حلية ، وفي ذكر متعلق ابتغاء تنبيه على منفعة ما يوقدونعليه . والحلية ما يعمل للنساء مما يتزين به من الذهب والفضة ، والمتاع ما يتخذ من الحديد والنحاس وما أشبههما من الآلات التي هي قوام العيش كالأواني ، والمساحي ، وآلات الحرب ، وقطاعات الأشجار ، والسكك ، وغير ذلك . وزبد مرفوع بالابتداء ، وخبره في قوله : ومما توقدون . ومِن الظاهر أنها للتبعيض ، لأن ذلك الزبد هو بعض ما يوقد عليه من تلك المعادن . وأجاز الزمخشري أن تكون مِن لابتداء الغاية أي : ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء ، والمماثلة في كونهما يتولدان من الأوساخ والأكدار ، والحق والباطل على حذف مضاف أي : مثل الحق والباطل . شبه الحق بما يخلص من جرم هذه المعادن من الأقذار والخبث ودوام الانتفاع بها ، وشبه الباطل بالزبد والمجتمع من الخبث والأقذار ، ولا بقاء له ولا قيمة . وفصل ما سبق ذكره مما ينتفع به ومن الزبد ، فبدأ بالزبد إذ هو المتأخر في قوله : زبداً رابياً ، وفي قوله : زبد مثله ، ولكون الباطل كناية عنه وصف متأخر ، وهي طريقة فصيحة يبدأ في التقسيم بما ذكر آخراً