@ 314 @ الزمخشري : ومن قرأ بسكون الميم فقد أخطأ انتهى . وهذا على عادته في نسبته الخطأ إلى الفراء . أنا أنبئكم بتأويله أي أخبركم به عمن عنده علمه لا من جهتي . وقرأ الحسن أنا أتيكم مضارع أتى من الإتيان ، وكذا في الإمام . وفي مصحف أبي : فأرسلون ، أي ابعثوني إليه لأسأله ، ومروني باستعباره ، استأذن في المضي إلى يوسف . فقال ابن عباس : كان في السجن في غير مدينة الملك ، وقيل : كان فيها ، ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال . وفي الكلام حذف التقدير : فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال : والصديق بناء مبالغة كالشريب والكبر ، وكان قد صحبه زماناً وجرب صدقه في غير ما شيء كتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه ، وقوله : لعلي أرجع إلى الناس أي : بتفسير هذه الرؤيا . واحترز بلفظة لعلي ، لأنه ليس على يقين من الرجوع إليهم ، إذ من الجائز أن يخترم دون بلوغه إليهم . وقوله : لعلهم يعلمون ، كالتعليل لرجوعه إليهم بتأويل الرؤيا . وقيل : لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم ، فيطلبونك ويخلصونك من محنتك ، فتكون لعل كالتعليل لقوله : أفتنا . قال : تزرعون إلى آخره ، تضمن هذا الكلام من يوسف ثلاثة أنواع من القول : أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ . والثاني : عرض رأي وأمر به ، وهو قوله : فذروه في سنبله . والثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن ، قاله قتادة . قال ابن عطية : ويحتمل هذا أن لا يكون غيباً ، بل علم العبارة أعطى انقطاع الخوف بعد سبع ، ومعلوم أنه الأخصب انتهى . والظاهر أن قوله : تزرعون سبع سنين دأباً خبراً ، أخبر أنهم تتوالى لهم هذه السنون لا ينقطع فيها زرعهم للري الذي يوجد . وقال الزمخشري : تزرعون خبر في معنى الأمر كقوله : { تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ } وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إنجاز المأمور به ، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه . والدليل على كونه في معنى الأمن قوله : فذروه في سنبله انتهى . ولا يدل الأمر بتركه في سنبله على أنّ تزرعون في معنى ازرعوا ، بل تزرعون إخبار غيب بما يكون منهم من توالي الزرع سبع سنين . وأما قوله : فذروه فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه . ومعنى دأباً : ملازمة ، كعادتكم في المزارعة . وقرأ حفص : دأباً بفتح الهمزة ، والجمهور بإسكانها ، وهما مصدران لدأب ، وانتصابه بفعل محذوف من لفظه أي : تدابون داباً ، فهو منصوب على المصدر . وعند المبرد بتزرعون بمعنى تدأبون ، وهي عنده مثل قعد القرفصاء . وقيل : مصدر في موضع الحال أي : دائبين ، أو ذوي دأب حالاً من ضمير تزرعون . وما في قوله : فما حصدتم شرطية أو موصولة ، بذروه في سنبله إشارة برأي نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل ، فإذا بقيت فيها انحفظت ، والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل ، فيجتمع الطعام ويتركب ويؤكل الأقدم فالأقدم ، فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر . وقرأ السلمي : مما يأكلون بالياء على الغيبة أي : يأكل الناس ، وحذف المميز في قوله : سبع شداد أي : سبع سنين شداد ، لدلالة قوله : سبع سنين عليه . وأسند الأكل الذي في قوله : أكلن على سبيل المجاز من حيث أنه يؤكل فيهما كما قال : { وَالنَّهَارَ مُبْصِراً } . ومعنى تحصنون تحرزون وتخبؤون ، مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ . وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور : يغاث من الغيث ، وقيل : من الغوث ، وهو الفرج . ففي الأول بني من ثلاثي ، وفي الثاني من رباعي ، تقول : غاثنا الله من الغيث ، وأغاثنا من الغوث . وقرأ الأخوان : تعصرون بالتاء على الخطاب ، وباقي السبعة بالياء على الغيبة ، والجمهور على أنه من عصر النبات كالعنب والقصب والزيتون والسمسم والفجل وجميع ما يعصر ، ومصر بلد عصير لأشياء كثيرة والحلب منه ، لأنه عصر للضروع . وروي أنهم لم يعصروا شيئاً مدة الجدب . وقال أبو عبيدة وغيره : مأخوذ من العصرة ، والعصر وهو المنجي ، ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي الله عنه : % ( صادياً يستغيث غير مغاث % .
ولقد كان عصرة المنجود .
) %