@ 289 @ بالليل فإنّ الحياء في العينين ، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار . وفي الكلام حذف تقديره : وجاؤوا أباهم دون يوسف عشاء يبكون ، فقال : أين يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا . وروي أن يعقوب لما سمع بكاءهم قال : ما لكم ، أجرى في الغنم شيء ؟ قالوا : لا . قال : فأين يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا نستبق فأكله الذئب ، فبكى ، وصاح ، وخر مغشياً عليه ، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ، ونادوه فلم يجب ، ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفسه ولا تحرك له عرق فقال : ويل لنا من ديان يوم الدين الذي ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا ، فلم يفق لا ببرد السحر . قال الأعمش : لا يصدق باك بعد أخوة يوسف . ونستبق . أي : نترامى بالسهام ، أو نتجارى على الأقدام أينا أشد عدواً ، أو نستبق في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب ، أو نتصيد . أربعة أقوال . عند متاعنا أي : عند ثيابنا ، وما تجردنا له حالة الاستباق ، وهذا أيضاً يدل على صغر يوسف ، إذ لو كان ابن ثمان عشرة سنة أو سبع عشرة لكان يستبق معهم ، فأكله الذئب قد ذكرنا أنهم تلقنوا هذا الجواب من قول أبيهم ، وأخاف أن يأكله الذئب ، لأن أكل الذئب إياه كان أغلب ما كان خاف عليه . وما أنت بمؤمن لنا أي : بمصدق لنا الآن ولو كنا صادقين . أو لست مصدقاً لنا على كل حال حتى في حالة الصدق ، لما غلب عليك من تهمتنا وكراهتنا في يوسف ، وإنا نرتاد له الغوائل ، ونكيد له المكائد ، وأوهموا بقولهم : ولو كنا صادقين أنهم صادقون في أكل الذئب يوسف ، فيكون صدقهم مقيداً بهذه النازلة . أو من أهل الصدق والثقة عند يعقوب قبل هذه النازلة ، لشدّة محبتك ليوسف ، فكيف وأنت سيىء الظن بنا في هذه النازلة ، غير واثق بقولنا فيه ؟ . .
روي أنهم أخذوا سخلة أو جدياً فذبحوه ، ولطخوا قميص يوسف بدمه ، وقالوا : ليعقوب هذا قميص يوسف فأخذه ، ولطخ به وجهه وبكى ، ثم تأمله فلم ير خرقاً ولا ارتاب ، فاستدل بذلك على خلاف ما زعموا وقال لهم : متى كان الذئب حليماً يأكل يوسف ولا يخرق قميصه ؟ قيل : كان في قميص يوسف ثلاث آيات ، كان دليلاً ليعقوب على أن يوسف لم يأكله الذئب ، وألقاه عل وجهه فارتد بصيراً ، ودليلاً على براءة يوسف حين قدّ من دبر . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : على قميصه ما محله ؟ ( قلت ) : محله النصب على الظرف ، كأنه قيل : وجاؤوا فوق قميصه بدم كما تقول : جاء على جماله بأحمال . ( فإن قلت ) : هل يجوز أن يكون حالاً مقدمة ؟ ( قلت ) : لا ، لأن حال المجرور لا يتقدم عليه انتهى . ولا يساعد المعنى على نصب على على الظرف بمعنى فوق ، لأن العامل فيه إذ ذاك جاؤوا ، وليس الفوق ظرفاً لهم ، بل يستحيل أن يكون ظرفاً لهم . وقال الحوفي : على متعلق بجاؤوا ، ولا يصح أيضاً . وأما المثال الذي ذكره الزمخشري وهو جاء على جماله بأحمال فيمكن أن يكون ظرفاً للجائي ، لأنه تمكن الظرفية فيه باعتبار تبدله من جمل على جمل ، ويكون بأحمال في موضع الحال أي : مصحوباً بأحمال . وقال أبو البقاء : على قميصه في موضع نصب حالاً من الدم ، لأن التقدير : جاؤوا بدم كذب على قميصه انتهى . وتقديم الحال على المجرور بالحرف غير الزائد في جوازه خلاف ، ومن أجاز استدل على ذلك بأنه موجود في لسان العرب ، وأنشد على ذلك شواهد هي مذكورة في علم النحو ، والمعنى : يرشد إلى ما قاله أبو البقاء . .
وقرأ الجمهور : كذب وصف لدم على سبيل المبالغة ، أو على حذف مضاف أي : ذي كذب ، لما كان دالاً على الكذب وصف به ، وإن كان الكذب صادراً من غيره . وقرأ زيد بن علي : كذباً بالنصب ، فاحتمل أن يكون مصدراً في موضع الحال ، وأن يكون مفعولاً من أجله . وقرأت عائشة ، والحسن : كدب بالدال غير معجمة ، وفسر بالكدر ، وقيل : الطري ، وقيل : اليابس ، وقال صاحب اللوامح : ومعناه ذي كذب أي : أثر لأن الكذب هو بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها ، كالنقش ، ويسمى ذلك البياض الفوف ، فيكون هذا استعارة لتأثيره