@ 282 @ مثل ذلك الاجتباء ، وهو ما أراه من تلك الرؤيا التي دلت على جليل قدره ، وشريف منصبه ، ومآله إلى النبوة والرسالة والملك . ويجتبيك : يختارك ربك للنبوة والملك . قال الحسن : للنبوة ، وقال مقاتل : للسجود لك ، وقال الزمخشري : لأمور عظام . ويعلمك من تأويل الأحاديث كلام مستأنف ليس داخلاً في التشبيه ، كأنه قال : وهو يعلمك . قال مجاهد والسدي : تأويل الأحاديث عبارة الرؤيا . وقال الحسن : عواقب الأمور ، وقيل : عامة لذلك ولغيره من المغيبات ، وقال مقاتل : غرائب الرؤيا ، وقال ابن زيد : العلم والحكمة . .
وقال الزمخشري : الأحاديث الرؤى ، لأن الرؤى إما حديث نفس أو ملك أو شيطان ، وتأويلها عبارتها وتفسيرها ، فكان يوسف عليه السلام أعبر الناس للرؤيا وأصحهم عبارة . ويجوز أن يراد بتأويل الأحاديث معاني كتب الله وسير الأنبياء ، وما غمض واشتبه على الناس في أغراضها ومقاصدها ، يفسرها لهم ويشرحها ، ويدلهم على مودعات حكمها . وسميت أحاديث لأنها تحدث بها عن الله ورسله فيقال : قال الله : وقال الرسول : كذا وكذا . ألا ترى إلى قوله : { فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } كتاباً وهي اسم جمع للحديث ، وليس بجمع أحدوثة انتهى . وليس باسم جمع كما ذكر ، بل هو جمع تكسير لحديث على غير قياس ، كما قالوا : أباطل وأباطيل ، ولم يأت اسم جمع على هذا الوزن . وإذا كانوا يقولون في عباديد ويناذير أنهما جمعا تكسير ولم يلفظ لهما بمفرد ، فكيف لا يكون أحاديث وأباطيل جمعي تكسير ؟ . .
ويتم نعمته عليك ، وإتمامها بأنه تعالى وصل لهم نعمة الدنيا بأن جعلهم أنبياء وملوكاً ، بنعمة الآخرة بأن نقلهم إلى أعلى الدرجات في الجنة . وقال مقاتل : بإعلاء كلمتك وتحقيق رؤياك ، وقال الحسن : هذا شيء أعلمه الله يعقوب من أنه سيعطي يوسف النبوّة . وقيل : بأن يحوج إخوتك إليك ، فتقابل الذنب بالغفران ، والإساءة بالإحسان . وقيل : بإنجائك من كل مكروه ، . وآل يعقوب الظاهر أنه أولاده ونسلهم أي : نجعل النبوة فيهم . وقال الزمخشري : هن نسلهم وغيرهم . وقيل أهل دينه وأتباعهم ، كما جاء في الحديث : من آلك ؟ فقال : { كُلٌّ } وقيل : امرأته وأولاده الأحد عشر . وقيل : المراد يعقوب نفسه خاصة . وإتمام النعمة على إبراهيم بالخلة ، والإنجاء من النار ، وإهلاك عدوه نمروذ . وعلى إسحاق بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه . وسمي الجدو أبا الجد أبوين ، لأنهما في عمود النسب كما قال : { إِلَاهَكَ وَإِلَاهَ آبَائِكَ } ولهذا يقولون : ابن فلان ، وإن كان بينهما عدة في عمود النسب . إن ربك عليم بمن يستحق الاجتباء ، حكيم يضع الأشياء مواضعها . وهذان الوصفان مناسبان لهذا الوعد الذي وعده يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام في قوله : وكذلك يجتبيك ربك قيل : وعلم يعقوب عليه السلام ذلك من دعوة إسحاق عليه السلام حين تشبه له بعيصو . .
{ لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايَاتٌ لّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } : آيات أي : علامات ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء للسائلين من سأل عنهم وعرف قصتهم . وقيل : آيات على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ) للذين سألوه من اليهود عنها ، فأخبرهم بالصحة من غير سماع من أحد ، ولا قراءة كتاب . والذي يظهر أن الآيات الدلالات على صدق الرسول وعلى ما أظهر الله في قصة يوسف من عواقب البغي عليه ، وصدق رؤياه ، وصحة تأويله ، وضبط نفسه وقهرها حتى قام بحق الأمانة ، وحدوث السرور بعد اليأس . وقيل : المعنى لمن سأل ولمن لم يسأل لقوله : { سَوَاء لّلسَّائِلِينَ } أي سواء لمن سأل ولمن لم يسأل . وحسن الحذف لدلالة قوة الكلام عليه لقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } أي والبرد . وقال ابن عطية : وقوله للسائلين ، يقتضي تحضيضاً للناس على تعلم هذه الأنباء لأنه إنما المراد آيات للناس ، فوصفهم بالسؤال ، إذ كل أحد ينبغي أن يسأل عن مثل هذه القصص ، إذ هي مقر العبر والاتعاظ . وتقدم لنا ذكر أسماء أخوة يوسف منقولة من خط الحسين بن أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم البياسني ، ونقلها من خط الشريف النقيب النسابة أبى البركات محمد بن أسعد الحسيني الجوّاني محرّرة