@ 270 @ وليست الصبح في هذه الآية . وقال ابن عباس والحسن أيضاً : هما الصبح والمغرب ، والزلف العشاء ، وليست الظهر والعصر في الآية . وقيل : هما الظهر والعصر ، والزلف المغرب والعشاء والصبح ، وكان هذا القائل راعي الجهر بالقراءة والإخفاء . واختار ابن عطية قول مجاهد ، وجعل الظهر من الطرف الثاني ليس بواضح ، إنما الظهر نصف النهار ، والنصف لا يسمى طرفاً إلا بمجاز بعيد ، ورجح الطبري قول ابن عباس : وهو أنّ الطرفين هما الصبح والمغرب ، ولا تجعل المغرب طرفاً للنهار إلا بمجاز ، إنما هو طرف الليل . وقال الزمخشري : غدوة وعشية قال : وصلاة الغدوة الصبح ، وصلاة العشية الظهر والعصر ، لأنّ ما بعد الزوال عشي ، وصلاة الزلف المغرب والعشاء انتهى . ولا يلزم من إطلاق العشي على ما بعد الزوال أن يكون الظهر طرفاً للنهار ، لأن الأمر إنما جاء بالإقامة للصلاة في طرفي النهار ، لا في الغداة والعشي . .
وقرأ الجمهور : وزلفاً بفتح اللام ، وطلحة وعيسى البصرة وابن أبي إسحاق وأبو جعفر : بضمها كأنه اسم مفرد . وقرأ ابن محيصن ومجاهد : بإسكانها وروي عنهما : وزلفى على وزن فعلى على صفة الواحد من المؤنث لما كانت بمعنى المنزلة . وأما القرءات الأخر من الجموع فمنزلة بعد منزلة ، فزلف جمع كظلم ، وزلف كبسر في بسر ، وزلف كبسر في بسرة ، فهما اسما جنس ، وزلفى بمنزلة الزلفة . والظاهر عطف وزلفاً من الليل على طرفي النهار ، عطف طرفاً على طرف . وقال الزمخشري : وقد ذكر هذه القراآت وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل . وقيل : زلفاً من الليل ، وقرباً من الليل ، وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة أي : أقم الصلاة في النهار ، وأقم زلفى من الليل على معنى صلوات يتقرب بها إلى الله عز وجل في بعض الليل . والظاهر عموم الحسنات من الصلوات المفروضة ، وصيام رمضان ، وما أشبههما من فرائض الإسلام . وخصوص السيئات وهي الصغائر ، ويدل عليه الحديث الصحيح : ( ما اجتنبت الكبائر ) وذهب جمهور المتأولين من الصحابة والتابعين : إلى أنّ الحسنات يراد بها الصلوات الخمس ، وإليه ذهب عثمان عند وضوءه على المقاعد ، وهو تأويل مالك . وقال مجاهد : الحسنات قول الرجل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وينبغي أن يحمل هذا كله على جهة المثال في الحساب ، ومن أجل أنّ الصلوات الخمس هي أعظم الأعمال . والصغائر التي تذهب هي بشرط التوبة منها وعدم الإصرار عليها ، وهذا نص حذاق الأصوليين . ومعنى إذهابها : تكفير الصغائر ، والصغائر قد وجدت وأذهبت الحسنات ما كان يترتب عليها ، لا أنها تذهب حقائقها ، إذ هي قد وجدت . وقيل : المعنى إنّ فعل الحسنات يكون لطفاً في ترك السيئات ، لا أنها واقعة كقوله : { اتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ } والظاهر أنّ الإشارة قوله ذلك ، إلى أقرب مذكور وهو قوله : أقم الصلاة أي إقامتها في هذه الأوقات . ذكرى أي : سبب عظة وتذكرة للذاكرين أي المتعظين . وقيل : إشارة إلى الإخبار بأنّ الحسنات يذهبن السيئات ، فيكون في هذه الذكرى حضًّا على فعل الحسنات . وقيل : إشارة إلى ما تقدم من الوصية بالاستقامة وإقامة الصلاة ، والنهي عن الطغيان ، والركون إلى الظالمين ، وهو قول الزمخشري . وقال الطبري : إشارة إلى الأوامر والنواهي في هذه السورة ، وقيل : إشارة إلى القرآن ، وقيل : ذكرى معناها توبة ، ثم أمر تعالى بالصبر على التبليغ والمكاره في ذات الله بعدما تقدم من الأوامر والنواهي ، ومنبهاً على محل الصبر ، إذ لا يتم شيء مما وقع الأمر به والنهي عنه إلا به ، وأتى بعام وهو قوله : أجر المحسنين ، ليندرج فيه كل من أحسن بسائر خصال الإحسان مما يحتاج إلى الصبر فيه ، وما قد لا يحتاج كطبع من خلق كربما ، فلا يتكلف الإحسان إذ هو مركوز في طبعه . وقال ابن عباس : المحسنون هم المصلون ، كأنه نظر إلى سياق الكلام . وقال مقاتل : هم المخلصون ، وقال أبو سليمان : المحسنون في أعمالهم . .
{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الاْرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ } : لولا هنا للتحضيض ، صحبها معنى التفجع والتأسف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم