@ 268 @ فتخريجهما مفهوم من تخريج القراءتين قبلهما ، وأما قراءة أبي ومن ذكر معه فإنْ نافية ، ولمّا بمعنى إلا ، والتقدير : ما كل إلا والله ليوفينهم . وكل مبتدأ الخبر الجملة القسمية وجوابها التي بعد لما كقراءة من قرأ { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ } { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } ولا التفات إلى قول أبي عبيد والفراء من إنكارهما أن لما تكون بمعنى إلا . قال أبو عبيد : لم نجد هذا في كلام العرب ، ومن قال هذا لزمه أن يقول : رأيت القوم لما أخاك يريد إلا أخاك ، وهذا غيره موجود . وقال الفراء : أما من جعل لما بمعنى إلا ، فإنه وحجه لا نعرفه ، وقد قالت العرب مع اليمين بالله : لما قمت عنا ، وإلا قمت عنا ، فأما في الاستثناء فلم ننقله في شعر . ألا ترى أنّ ذلك لو جاز لسمع في الكلام : ذهب الناس لما زيدا ؟ والقراءة المتواترة في قوله : وإنْ كل لما ، وإن كل نفس لما ، حجة عليهما . وكون لما بمعنى إلا نقله الخليل وسيبويه والكسائي ، وكون العرب خصصت مجيئها ببعض التراكيب لا يقدح ولا يلزم اطرادها في باب الاستثناء ، فكم من شيء خص بتركيب دون ما أشبهه . وأما قراءة الزهري ، وابن أرقم : لما بالتنوين والتشديد ، فلما مصدر من قولهم : لممت الشيء جمعته ، وخرج نصبه على وجهين : أحدهما : أن يكون صفة لكلا وصف بالمصدر وقدر كل مضافاً إلى نكرة حتى يصح الوصف بالنكرة ، كما وصف به في قوله : { أَكْلاً لَّمّاً } وهذا تخريج أبي علي . والوجه الثاني : أن يكون منصوباً بقوله : ليوفينهم ، على حد قولهم : قياماً لأقومن ، وقعوداً لا قعدن ، فالتقدير توفية جامعة لأعمالهم ليوفينهم . وهذا تخريج ابن جني وخبر إنّ على هذين الوجهين هو جملة القسم وجوابه . وأما ما في مصحف أبي فإنْ نافية ، ومن زائدة . وأما قراءة الأعمش فواضحة ، والمعنى : جميع ما لهم . قيل : وهذه الجملة تضمنت توكيدات بأن وبكل وباللام في الخبر وبالقسم ، وبما إذا كانت زائدة ، وبنون التوكيد وباللام قبلها وذلك مبالغة في وعد الطائع ووعيد العاصي ، وأردف ذلك بالجملة المؤكدة وهي : أنه بما يعملون خبير . وهذا الوصف يقتضي علم ما خفي . وقرأ ابن هرمز : بما تعملون على الخطاب . .
{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } : قال ابن عيينة وجماعة : معناه استقم على القرآن ، وقال الضحاك : استقم بالجهاد ، وقال مقاتل : امض على التوحيد ، وقال جماعة : استقم على أمر ربك بالدعاء إليه ، وقال جعفر الصادق : استقم في الأخبار عن الله بصحة العزم ، وقال الزمخشري : فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق غير عادل عنها . وقال ابن عطية : أمر بالاستقامة وهو عليها ، وهو أمر بالدوام والثبوت . والخطاب للرسول وأصحابه الذين تابوا من الكفر ولسائر الأمة ، فالمعنى : وأمرت مخاطبة تعظيم انتهى . وقيل : استفعل هنا للطلب أي : اطلب الإقامة على الدين ، كما تقول : استغفر أي اطلب الغفران . ومن تاب معطوف على الضمير المستكن في فاستقم ، وأغنى الفاصل عن التوكيد . ولا تطغوا قال ابن عباس : في القرآن فتحلوا وتحرموا ما لم آمركم به . وقال ابن زيد : لا تعصوا ربكم . وقال مقاتل : لا تخلطوا التوحيد بالشك . وقال الزمخشري : لا تخرجوا عن حدود الله . وقرأ الحسن والأعمش : بما يعملون بالياء على الغيبة ، ورويت عن عيسى الثقفي بصير مطلع على أعمالهم يراها ويجازى عليهتا . .
{ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } : قال ابن عباس : معنى الركون الميل . وقال السدي ، وابن زيد : لا تداهنوا الظلمة . وقال قتادة : لا تلحقوا بهم . وقال سفيان : لا تدنوا إلى الذين ظلموا . وقال أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم ، وقيل : لا تجالسوهم ، وقال جعفر الصادق : إلى الذين ظلموا إلى أنفسكم فإنها ظالمة ، وهذا شبيه بتفسير الباطنية . وقيل : لا تتشبهوا بهم . وقرأ الجمهور : تركنوا بفتح الكاف ، والماضي ركن بكسرها ، وهي لغة قريش . وقال الأزهري : هي اللغة الفصحى . وعن أبي عمرو : بكسر التاء على لغة تميم في مضارع علم غير الياء . وقرأ قتادة ، وطلحة ، والأشهب ، ورويت عن أبي عمر : وتركنوا بضم الكاف ماضي ركن بفتحها ، وهي لغة قيس وتميم ، وقال الكسائي : وأهل نجد . وشد يركن بفتح الكاف ، مضارع ركن بفتحها . وقرأ ابن أبي عبلة : ولا تركنوا مبنياً للمفعول من أركنه إذا أماله ، والنهي متناول لانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ،