@ 266 @ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ * لَفِى شَكّ * مُرِيبٍ } : لما بين تعالى إصرار كفار مكة على إنكار التوحيد ونبوّة الرسول والقرآن الذي أتى به ، بيّن أنّ الكفار من الأمم السابقة كانوا على هذه السيرة الفاخرة مع أنبيائهم ، فليس ذلك ببدع مِن مَن عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وضرب لذلك مثلاً وهو : إنزال التوراة على موسى فاختلفوا فيها . والكتاب هنا التوراة ، فقبله بعض ، وأنكره بعض ، كما اختلف هؤلاء في القرآن . والظاهر عود الضمير فيه على الكتاب لقربه ، ويجوز أن يعود على موسى عليه السلام . ويلزم من الاختلاف في أحدهما الاختلاف في الآخر . وجوز أن تكون في بمعنى على ، أي : فاختلف عليه ، وكان بنو إسرائيل أشدّ تعنتاً على موسى وأكثر اختلافاً عليه . وقد تقدم شرح : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ } والظاهر عود الضمير في بينهم على قوم موسى عليه السلام ، إذ هم المختلفون فيه ، أو في الكتاب . وقيل : يعود على المختلفين في الرسول من معاصريه . قال ابن عطية : وأنْ يعمهم اللفظ أحسن عندي ، وهذه الجملة من جملة تسليته أيضاً . .
{ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } : الظاهر عموم كل وشموله للمؤمن والكافر . وقال الزمخشري : التنوين عوض من المضاف إليه يعني : وإن كلهم ، وإن جميع المختلفين فيه . وقال مقاتل : يعني به كفار هذه الأمة . وقرأ الحرميان وأبو بكر : وإن كلا بتخفيف النون ساكنة . وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة : لما بالتشديد هنا وفي { يس } و { الطَّارِقُ } وأجمعت السبعة على نصب كلا ، فتصور في قراءتهم أربع قراآت : إحداها : تخفيف أن ولما ، وهي قراءة الحرميين . والثانية : تشديدهما ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص . والثالثة : تخفيف إنْ وتشديد لما وهي قراءة أبي بكر . والرابعة : تشديد أنْ وتخفيف لمّا ، وهي قراءة الكسائي وأبي عمرو . وقرأ أبيّ والحسن بخلاف عه ، وإبان بن ثعلب وإنْ بالتخفيف كل بالرفع لمّا مشدداً . وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم : وإن كلا لمّا بتشديد الميم وتنوينها ، ولم يتعرضوا لتخفيف إنْ ولا تشديدها . وقال أبو حاتم : الذي في مصحف أبيّ وإن من كل إلا ليوفينهم . وقرأ الأعمش : وإن كل إلا ، وهو حرف ابن مسعود ، فهذه أربعة وجوه في الشاذ . فأما القراءة الأولى فأعمال أنْ مخففة كأعمالها مشددة ، وهذا المسألة فيها خلاف : ذهب الكوفيون إلى أنّ تخفيف أن يبطل عملها ، ولا يجوز أن تعمل . وذهب البصريون إلى أنّ إعمالها جائز ، لكنه قليل إلا مع المضمر ، فلا يجوز إلا أن ورد في شعر ، وهذا هو الصحيح لثبوت ذلك في لسان العرب . حكى سيبويه أن الثقة أخبره أنه سمع بعض العرب أنّ عمر المنطلق ، ولثبوت هذه القراءة المتواترة وقد تأولها الكوفيون . وأما لما فقال الفراء : فاللام فيها هي اللام الداخلة على خبر إنّ ، وما موصولة بمعن الذي كما جاء : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } والجملة من القسم المحذوف وجوابه الذي هو ليوفينهم صلة ، لما نحو قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ } وهذا وجه حسن ، ومن إيقاع ما على من يعقل قولهم : لا سيما زيد بالرفع ، أي لاسي الذي هو زيد . وقيل : ما نكرة موصوفة وهي لمن يعقل ، والجملة القسمية وجوابها قامت مقام الصفة ، لأن المعنى : وإنْ كلا لخلق موفى عمله ، ورجح الطبري هذا القول واختاره . وقال أبو عليّ : العرف أن تدخل لام الابتداء على الخير ، والخبر هنا هو القسم وفيه لام تدخل على جوابه ، فلما اجتمع اللامان والقسم محذوف ، واتفقا في اللفظ ، وفي تلقي القسم فصل بينهما بما كما فصلوا بين أن واللام انتهى . ويظهر من كلامه أنّ اللام في لما هي اللام التي تدخل في الخبر ، ونص الحوفي على أنها لام إنْ ، إلا أنّ المنقول عن أبي علي أنّ الخبر هو ليوفينهم ، وتحريره ما ذكرنا وهو القسم وجوابه . وقيل : اللام في لما موطئة للقسم ، وما مزيدة ، والخبر الجملة القسمية وجوابها ، وإلى هذا القول في التحقيق يؤول قول أبي علي . وأما القراءة الثانية فتشديد إنّ وإعمالها في كل واضح . وأما تشديد لمّا فقال المبرد : هذا لحن ، لا تقول العرب إنّ زيداً لما خارج ، وهذه جسارة من المبرد على عادته . وكيف تكون قراءة متواترة لحناً وليس تركيب الآية كتركيب المثال الذي قال : وهو أنّ زيداً لما خارج هذا المثال لحن ، وأما في الآية فليس لحناً ، ولو سكت وقال كما قال