@ 253 @ أن تقابل بغير ما تفعلون ، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه . يوم محيط أي : مهلك من قوله : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } وأصله من إحاطة العدو ، وهو العذاب الذي حل بهم في آخره . ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب به ، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث ، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه ، كما إذا أحاط بنعيمه . ونهوا أولاً : عن القبيح الذي كانوا يتعاطونه وهو نقص المكيال والميزان ، وفي التصريح بالنهي نعي على المنهى وتعيير له . وأمروا ثانياً : بإيفائهما مصرحاً بلفظهما ترغيباً في الإيفاء ، وبعثا عليه . وجيء بالقسط ليكون الإيفاء على جهة العدل والتسوية وهو الواجب ، لأنّ ما جاوز العدل فضل وأمر منذوب إليه . ونهوا ثالثاً : عن نقص الناس أشياءهم ، وهو عام في الناس ، وفيما بأيديهم من الأشياء كانت مما تكال وتوزن أو غير ذلك . ونهوا رابعاً : عن الفساد في الأرض وهو أعم من أن يكون نقصاً أو غيره ، فبدأهم أولاً بالمعصية الشنيعة التي كانوا عليها بعد الأمر بعبادة الله ، ثم ارتقى إلى عام ، ثم إلى أعم منه وذلك مبالغة في النصح لهم ولطف في استدراجهم إلى طاعة الله . وتفسير معاني هذه الجمل سبق في الأعراف . بقية الله قال ابن عباس : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد الإيفاء خير من البخس ، وعنه رزق الله . وقال مجاهد والزجاج : طاعة الله . وقال قتادة : حظكم من الله . وقال ابن زيد : رحمة الله . وقال قتادة : ذخيرة الله . وقال الربيع : وصية الله . وقال مقاتل : ثواب الله في الآخرة ، وذكر الفراء : مراقبة الله . وقال الحسن : فرائض الله . وقيل : ما أبقاه الله حلالاً لكم ولم يحرمه عليكم . قال ابن عطية : وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية ، وإنما المعنى عندي إبقاء الله عليكم إن أطعتم . وقوله : إن كنتم مؤمنين ، شرط في أن يكون البقية خيراً لهم ، وأما من الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال . وجواب هذا الشرط متقدم . والحفيظ المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب ، والمعنى : إنما أنا مبلغ ، والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال انتهى . وليس جواب الشرط متقدماً كما ذكر ، وإنما الجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه على مذهب جمهور البصريين . وقال الزمخشري : وإنما خوطبوا بترك التطفيف والبخس والفساد في الأرض وهم كفرة بشرط الإيمان ، ويجوز أن يريد ما يبقى لهم عند الله من الطاعات كقوله : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا } وإضافة البقية إلى الله من حيث أنها رزقه الذي يجوز أن يضاف إليه ، وأما الحرام فلا يجوز أن يضاف إلى الله ، ولا يسمى رزقاً انتهى ، على طريق المعتزلة في الرزق ، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة : بقية بتخفيف الياء . قال ابن عطية : هي لغة انتهى . وذلك أن قياس فعل اللازم أن يكون على وزن فعل نحو : سجيت المرأة فهي سجية ، فإذا شددت الياء كان على وزن فعيل للمبالغة . وقرأ الحسن : تقية بالتاء ، وهي تقواه ومراقبته الصارفة عن المعاصي . .
{ قَالُواْ يأَبَانَا * شُعَيْبٌ * بِحَفِيظٍ * قَالُواْ ياشُعَيْبُ أَصَلَواتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَؤُا إِنَّكَ لاَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ ياقَوْمِ أَرَءيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا } : لما أمرهم شعيب بعبادة الله عبادة أوثانهم ، وبإيفاء المكيال والميزان ، ردّوا عليه على سبيل الاستهزاء والهزء بقولهم : أصلاتك ، وكان كثير الصلاة ، وكان إذا صلى تغامزوا وتضاحكوا أن نترك ما يعبد آباؤنا مقابل لقوله : { اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ } أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء مقابل لقوله : { وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ } وكون الصلاة آمرة هو على وجه المجاز ، كما كانت ناهية في قوله : { اتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ } أو يقال : إنها تأمر بالجميل والمعروف أي : تدعو إليه وتبعث عليه . إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز ، وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته . والمعنى : فأمرك بتكليفنا أن نترك ، فحذف