@ 244 @ المعنى ومن الوراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب ، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق ، فلو قال : ومن الوراء يعقوب ، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق أم إلى إسماعيل ، فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس انتهى . وبشرت من بين أولاد إسحاق بيعقوب ، لأنها رأته ولم تر غيره ، وهذه البشارة لسارة كانت وهي بنت تسع وتسعين سنة ، وابراهيم ابن مائة سنة . وقيل : كان بينهما غير ذلك ، وهي أقوال متناقضة . .
وهذه الآية تدل على أنّ إسماعيل هو الذبيح ، لأن سارة حين أخدمها الملك الجبار هاجر أم إسماعيل كانت شابة جميلة ، فاتخذ إبراهيم هاجر سرية ، فغارت منها سارة ، فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق ، وجاء من يومه مكة ، وانصرف إلى الشام من يومه ، ثم كانت البشارة بإسحاق وسارة عجوز محالة ، وسيأتي الدليل على ذلك أيضاً من سورة والصافات . ويجوز أن يكون الله سماها حالة البشارة بهذين الاسمين ، ويجوز أن يكون الإسمان حدثا لها وقت الولادة ، وتكون البشارة بولد ذكر بعده ولد ذكر ، وحالة الإخبار عن البشارة ذكراً باسمها كما يقول المخبر : إذا بشر في النوم بولد ذكر فولد له ولد ذكر فسماه مثلاً عبد الله : بشرت بعبد الله . وقرأ الحرميان ، والنحويان ، وأبو بكر يعقوب : بالرفع على الابتداء ومن وراء الخبر كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب كائن ، وقدره الزمخشري مولود أو موجود . قال النحاس : والجملة حال داخلة في البشارة أي : فبشرناها بإسحاق متصلاً به يعقوب . وأجاز أبو علي أنْ يرتفع بالجار والمجرور ، كما أجازه الأخفش أي : واستقرّ لها من وراء إسحاق يعقوب . وقالت فرقة : رفعه على القطع بمعنى ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب . وقال النحاس : ويجوز أن يكون فاعلاً بإضمار فعل تقديره : ويحدث من وراء إسحاق يعقوب . قال ابن عطية : وعلى هذا لا تدخل البشارة انتهى . ولا حاجة إلى تكلف القطع والعدول عن الظاهر المقتضى للدخول في البشارة . .
وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، وزيد بن علي : يعقوب بالنصب . قال الزمخشري : كأنه قيل ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله : ليسوا مصلحين عشيرة ، ولا ناعب ، انتهى . يعني أنه عطف على التوهم ، والعطف على التوهم لا ينقاس ، والأظهر أن ينتصب يعقوب بإضمار فعل تقديره : ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب ، ودل عليه قوله : فبشرناها لأن البشارة في معنى الهبة ، ورجح هذا الوجه أبو علي ومن ذهب إلى أنه مجرور معطوف على لفظ بإسحاق ، أو على موضعه . فقوله ضعيف ، لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور ، لا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو ، فإن جاء ففي شعر . فإنْ كان المعطوف منصوباً أو مرفوعاً ، ففي جواز ذلك خلاف نحو : قام زيد واليوم عمرو ، وضربت زيداً واليوم عمراً والظهر أن الألف في يا ويلتا بدل من ياء الإضافة نحو : يا لهفا ويا عجباً ، وأمال الألف من يا ويلتا عاصم وأبو عمرو والأعشى ، إذ هي بدل من الياء . وقرأ الحسن : يا ويلتي بالياء على الأصل . وقيل : الألف ألف الندبة ، ويوقف عليها بالهاء . وأصل الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة مكروه يدهم النفس ، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس . ويا ويلتا كلمة تخف على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه ، واستفهمت بقولها أألد استفهام إنكار وتعجب ، وأنا عجوز وما بعده جملتا حال ، وانتصب شيخاً على الحال عند البصريين ، وخبر التقريب عند الكوفيين . ولا يستغنى عن هذه الحال إذا كان الخبر عروفاً عند المخاطب ، لأنّ الفائدة إنما تقع بهذه الحال ، أما إذا كان مجهولاً عنده فأردت أن تفيد المخاطب ما كان يجهله ، فتجيء الحال على بابها مستغنى عنها . .
وقرأ ابن مسعود وهو في مصحفه والأعمش ، شيخ بالرفع . وجوزوا فيه . وفي بعلي أن يكونا خيرين كقولهم : هذا حلو حامض ، وأن يكون بعلى الخبر ، وشيخ خبر محذوف ، أو بدل من بعلي ، وأن يكون بعلي بدلاً أو عطف بيان ، وشيخ الخبر . والإشارة بهذا إلى الولادة أو البشارة بها تعجبت من حدوث ولد بين شيخين هرمين ، واستغربت ذلك من حيث العادة ، لا إنكاراً لقدرة الله تعالى . قالوا : أي الملائكة أتعجبين ؟ استفهام إنكار لعجبها . قال الزمخشري : لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادة ، فكان عليها أن تتوفر ولا يزدهيها ما