@ 191 @ في شك ؟ إذ ليس في الآية ما يدل على نفي الشك . وقيل : كنى هنا بالشك عن الضيق أي : فإن كنت في ضيق من اختلافهم فيما أنزل إليك وتعنتهم عليك . وقيل : كنى بالشاك عن العجب أي : فإن كنت في تعجب من عناد فرعون . ومناسبة المجاز أنّ التعجب فيه تردد ، كما أن الشك تردد بين أمرين . وقال الكسائي : معناه إن كنت في شك أنّ هذا عادتهم مع الأنبياء فسلهم كيف كان صبر موسى عليه السلام حين اختلفوا عليه ؟ وقال الزمخشري : فإن كنت في شك بمعنى العرض والتمثيل ، كأنه قيل : فإن وقع لك شك مثلاً وخيل لك الشيطان خيالاً منه تقديراً فسئل الذين يقرؤون الكتاب ، والمعنى : أن الله تعالى قدم ذكر بني إسرائيل وهم قرأة الكتاب ، ووصفهم بأن العلم قد جاءهم ، لأنّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، فأراد أن يؤكد عليهم بصحة القرآن وصحة نبكوة محمد صلى الله عليه وسلم ) ، ويبالغ في ذلك فقال تعالى : فإن وقع لك شك فرضاً وتقديراً وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها وإماطتها ، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته ، وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق انتهى . وقيل أقوال غير هذه ، وقرأ يحيى وابراهيم : يقرؤون الكتب على الجمع . والحق هنا : الإسلام ، أو القرآن ، أو النبوة ، أو الآيات ، والبراهين القاطعة ، أقوال : فاثبت ودم على ما أنت فيه من انتفاء المرية والتكذيب ، والخطاب للسامع غير الرسول . وكثيراً ما يأتي الخطاب في ظاهره لشخص ، والمراد غيره ، وروي أنه عليه السلام قال : { لا * وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } وعن ابن عباس : والله ما شك طرفة عين ، ولا سأل أحداً منهم . والامتراء التوقف في الشيء والشك فيه ، وأمره أسهل من أمر المكذب فبدىء به أولاً . فنهى عنه ، واتبع بذكر المكذب ونهى أن يكون منهم . .
{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الاْلِيمَ } : ذكر تعالى عباداً قضى عليهم بالشقاوة فلا تتغير ، والكلمة التي حقت عليهم قال قتادة : هي اللعنة والغضب . وقيل : وعيده أنهم يصيرون إلى العذاب . وقال الزمخشري : قول الله تعالى الذي كتب في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفاراً فلا يكون غيره ، وتلك كتابه معلوم لا كتابة مقدر ومراد الله تعالى عن ذلك انتهى . وكلامه أخيراً على طريقة الاعتزال . وقال أبو عبد الله الرازي : المراد من هذه الكلمة كلم الله بذلك ، وإخباره عنه ، وخلقه في العبد مجموع القدرة ، والداعية وهو موجب لحصول ذلك الأمر . وقال ابن عطية : المعنى أنّ الله أوجب لهم سخطه من الأزل وخلقهم لعذابه ، فلا يؤمنون ولو جاءهم كل بيان وكل وضوح إلا في الوقت الذي لا ينفعهم فيه الإيمان ، كما صنع فرعون وأشباهه ، وذلك وقت المعاينة . وفي ضمن الألفاظ التحذير من هذه الحال ، وبعث كل على المبادرة إلى الإيمان والفرار من سخط الله . ويجوز أن يكون العذاب الأليم عند تقطع أسبابهم يوم القيامة ، وتقدم الخلاف في قراءة كلمة بالإفراد وبالجمع .