@ 184 @ قتل الآباء وذبح الذرية . وقيل : قال لهم ذلك حين قالوا إنا لمدركون . وقيل : حين قالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ، قيل : والأول هو الصواب ، لأنّ جواب كل من القولين مذكور بعده وهو : { كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ } وقوله : { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } الآية وعلق توكلهم على شرطين : متقدم ، ومتأخر . ومتى كان الشرطان لا يترتبان في الوجود فالشرط الثاني شرط في الأول ، فمن حيث هو شرط فيه يجب أن يكون متقدماً عليه . فالإسلام هو الانقياد للتكاليف الصادرة من الله ، وإظهار الخضوع وترك التمرّد ، والإيمان عرفان القلب بالله تعالى ووحدانيته وسائر صفاته ، وأنّ ما سواه محدث تحت قهره وتدبيره . وإذا حصل هذان الشرطان فو العبد جميع أموره إلى الله تعالى ، واعتمد عليه في كل الأحوال . وأدخل أنْ على فعلي الشرط وإن كانت في الأغلب إنما تدخل على غير المحقق مع علمه بإيمانهم على وجه إقامة الحجة وتنبيه الأنفس وإثارة الأنفة ، كما تقول : إن كنت رجلاً فقاتل ، تخاطب بذلك رجلاً تريد إقامة البينة . وطول ابن عطية هنا في مسألة التوكل بما يوقف عليه في كتابه ، وأجابوا موسى عليه السلام بما أمرهم به من التوكل على الله لأنهم كانوا مخلصين في إيمانهم وإسلامهم ، ثم سألوا الله تعالى شيئين : أحدهما : أن لا يجعلهم فتنة للقوم الظالمين . قال الزمخشري : أي موضع فتنة لهم ، أي عذاب تعذبوننا أو تفتنوننا عن ديننا ، أو فتنة لهم يفتنون بها ويقولون : لو كان هؤلاء على الحق ما أصيبوا . وقال مجاهد وأبو مجلز وأبو الضحى وغيرهم : معنى القول الآخر قال : المعنى لا ينزل بنا ملأنا بأيديهم أو بغير ذلك مدة محاربتنا لهم فيفتنون ويعتقدون أنْ هلا كنا إنما هو بقصد منك لسوء ديننا وصلاح دينهم وأنهم أهل الحق . وقالت فرقة : المعنى لا نفتنهم ونبتليهم بقتلنا وإذايتنا فنعذبهم على ذلك في الآخرة . قال ابن عطية : وفي هذا التأويل قلق . وقال ابن الكلبي : لا تجعلنا فتنة بتقتير الرزق علينا وبسطه لهم . والآخر : ينجيهم من الكافرين أي : من تسخيرهم واستعبادهم . والذي يظهر أنهم سألوا الله تعالى أنْ لا يفتنوا عن دينهم ، وأن يخلصوا من الكفار ، فقدموا ما كان عندهم أهم وهو سلامة دينهم لهم ، وأخروا سلامة أنفسهم ، إذ الاهتمام بمصالح الدين آكد من الاهتمام بمصالح الأبدان . .
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ } : لم يصرح باسم أخيه لأنه قد تقدّم أولاً في قوله : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَى وَهَارُونَ } وتبوآ اتخذا مباءة أي مرجعاً للعبادة والصلاة كما تقول : توطن اتخذ موطناً ، والظاهر اتخاذ البيوت بمصر . قال الضحاك : وهي مصر المحروسة ، ومصر من البحر إلى أسوان ، والاسكندرية من أرض مصر . وقال مجاهد : هي الاسكندرية ، وكان فرعون قد استولى على بني إسرائيل خرب مساجدهم ومواضع عباداتهم ، ومنعهم من الصلوات ، وكلفهم الأعمال الشاقة . وكانوا في أول أمرهم مأمورين بأنْ يصلوا في بيوتهم في خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم ، فيردوهم ويفتنوهم عن دينهم ، كما كان المؤمنون على ذلك في أول الإسلام . وقرأ حفص في رواية هبيرة : تبويا بالياء ، وهذا تسهيل غير قياسي ، ولو جرى على القياس لكان بين الهمزة والألف ، والظاهر أنّ المأمور بأنْ يجعل قبلة هي المأمور بتبوئها . ومعنى قبلة مساجد : أمروا بأن يتخذوا بيوتهم مساجد قاله : النخعي ، وابن زيد ، وروي عن ابن عباس . وعن