@ 157 @ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } : لما استفهمهم عن أشياء من صفات الله تعالى واعترفوا بها ، ثم أنكر عليهم صرفهم عن الحق وعبادة الله ، استفهم عن شيء هو سبب العبادة : وهو إبداء الخلق ، وهم يسلمون ذلك . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } ثم أعاد الخلق وهم منكرون ذلك ، لكنه عطفه على يسلمونه ليعلم أيهما سواء بالنسبة إلى قدرة الله ، وأنّ ذلك لوضوحه وقيام برهانه ، قرن بما يسلمونه إذ لا يدفعه إلا مكابر ، إذ هو من الواضحات التي لا يختلف في إمكانها العقلاء . وجاء الشرع بوجوبه ، فوجب اعتقاده . ولما كانوا لمكابرتهم لا يقرون بذلك أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب فقال : قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده ، وأبرز الجواب في جملة مبتدأة مصرح بخبرها ، فعاد الخبر فيها مطابقاً لخبر اسم الاستفهام ، وذلك تأكيد وتثبيت . ولما كان الاستفهام قبل هذا لا مندوحة لهم عن الاعتراف به ، جاءت الجملة محذوفاً منها أحد جزءيها في قوله : فسيقولون الله ، ولم يحتج إلى التأكيد بتصريح خبرها . ومعنى تؤفكون تصرفون وتقلبون عن اتباع الحق . .
{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَهْدِى إِلَى الْحَقّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِى لِلْحَقّ أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ } : لما بين تعالى عجز أصنامهم عن الإبداء والإعادة اللذين هما من أقوى أسباب القدرة وأعظم دلائل الألوهية ، بين عجزهم عن هذا النوع من صفات الإله وهو الهداية إلى الحق وإلى مناهج الصواب ، وقد أعقب الخلق بالهداية في القرآن في مواضع قال تعالى حكاية عن الكليم : { قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } وقال : { الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى } فاستدل بالخلق والهداية على وجود الصانع ، وهما حالان للجسد والروح . ولما كانت العقول يلحقها الاضطراب والغلط ، بيّن تعالى أنه لا يهديهما إلا هو بخلاف أصنامهم ومعبوداتهم ، فإنه ما كان منها لا روح فيه جماد لا تأثير له ، وما فيه روح فليس قادراً على الهداية ، بل الله تعالى هو الذي يهديه . وهدى تتعدّى بنفسها إلى اثنين ، وإلى الثاني بإلى وباللام . ويهدي إلى الحق حذف مفعوله الأول ، ولا يصح أن يكون لازماً بمعنى يهتدي ، لأن مقابله إنما هو متعد ، وهو قوله قل : الله يهدي للحق أي يهدي من يشاء إلى الحق . وقد أنكر المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري من أن يكون هدى بمعنى اهتدى ، وقال : لا نعرف هذا ، وأحق ليست أفعل تفضيل ، بل المعنى حقيق بأن يتبع . ولما كانوا معتقدين أنّ شركاءهم تهدي إلى الحق ، ولا يسلمون حصر الهداية لله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ) بأن يبادر بالجواب فقال : قل الله يهدي للحق ، ثم عادل في السؤال بالهمزة وأم بين من هو حقيق بالاتباع ، ومن هو غير حقيق ، وجاء على الأفصح الأكثر من فصل أم مما عطفت عليه بالخبر كقوله : { أَذالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ } بخلاف قوله : { أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } وسيأتي القول في ترجيح الوصل هنا في موضعه إن شاء الله تعالى . .
وقرأ أهل المدينة : إلا ورشا أمن لا يهدي بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال ، فجمعوا بين ساكنين . قال النحاس : لا يقدر أحد أن ينطق به . وقال المبرد : من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة ، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة . وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية كذلك : إلا أنه اختلس الحركة . وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، وورش ، وابن محيصن : كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء وأصله يهتدي ، فقلب حركة التاء إلى الهاء ، وأدغمت التاء في الدال . وقرأ حفص ، ويعقوب ، والأعمش عن أبي بكر كذلك ، إلا أنهم كسروا الهاء لما اضطر إلى الحركة حرّك بالكسر . قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر . وقرأ أبو بكر في رواية يحيى بن آدم كذلك ، إلا أنه كسر الياء . ونقل عن سيبويه أنه لا يجيز يهدي ، ويجيز تهدي ونهذي وأهدى قال : لأن الكسرة في الياء تثقل . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش : يهدي مضارع هدى . قال الزمخشري : هذه الهداية أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي ، أي لا يهتدي بنفسه أو لا يهدي غيره ، إلا أنْ يهديه الله . وقيل : معناه أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه ، إلا أن يهدي ، إلا أن ينقل أولاً يهتدي ، ولا يصح منه الاهتداء إلا بنقلة الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيواناً مطلقاً فيهديه انتهى . وتقدم إنكار المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري : من أنّ هدى بمعنى اهتدى . وقال أبو علي الفارسي : وصف الأصنام بأنها لا تهتدي إلا أن تهدى ، ونحن نجدها لا نهتدي وإن هديت . فوجه ذلك أنه عامل في العبادة عنها معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل ، وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن . وقال ابن عطية : والذي أقول إنّ قراءة حمزة والكسائي يحتمل أن يكون المعنى أم من لا يهدي أحداً إلا أن يهدي ذلك الأحد بهداية من عند الله ، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها أم مَن لا يهتدي إلا أن يهدي فيتجه المعنى على ما تقدم لأبي علي الفارسي ، وفيه تجوز كثير . ويحتمل أن يكون ما ذكر الله من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها . وقيل : ثم الكلام عند قوله : أم من لا يهدي أي لا يهدي غيره ، ثم قال : إلا أن