@ 40 @ رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) وقيل : لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه ، وتولوا بأركانهم ، وولوا ظهورهم . وأضمر القول في هذا ما كنزتم أي : يقال لهم وقت الكي والإشارة بهذا إلى المال المكنوز ، أو إشارة إلى الكي على حذف مضاف من ما كنزتم ، أي : هذا الكي نتيجة ما كنزتم ، أو ثمرة ما كنزتم . ومعنى لأنفسكم : لتنتفع به أنفسكم وتلتذ ، فصار عذاباً لكم ، وهذا القول توبيخ لهم . فذوقوا ما كنتم أي : وبال المال الذي كنتم تكنزون . ويجوز أن تكون ما مصدرية أي : وبال كونكم كانزين . وقرىء يكنزون بضم النون . وفي حديث أبي ذر : ( بشر الكانزين برصد يحمى عليها في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدييه وتزلزله وتكوى الجباه والجنوب والظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم ) وفي حصحي البخاري وصحيح مسلم : ( الوعيد الشديد لمانع الزكاة ) . .
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذالِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ } كانت العرب لا عيش لأكثرها إلا من الغارات وأعمال سلاحها ، فكانت إذا توالت عليهم الأربعة الحرم صعب عليها وأملقوا ، وكان بنو فقيم من كنانة أهل دين وتمسك بشرع إبراهيم عليه السلام ، فانتدب منهم القلمس وهو حذيفة بن عبيد بن فقيم فنسأ الشهور للعرب ، ثم خلفه على ذلك ابنه عباد ، ثم ابنه قلع ، ثم ابنه أمية ، ثم ابنه عوف ، ثم ابنه جنادة بن عوف ، وعليه قام الإسلام . وكانت العرب إذا فرغت من حجها جاء إليه من شاء منهم مجتمعين فقالوا : أنسئنا شهراً أي : أخِّر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر ، فيحل لهم المحرم ، فيغيرون فيه ويعيشون . ثم يلزمون حرمة صفر ليوافقوا عدّة الأشهر الأربعة ، ويسمون ذلك الصفر المحرم ، ويسمون ربيعاً الأول صفراً ، وربيعاً الآخر ربيعاً الأول ، وهكذا في سائر الشهور يستقبلون نسيئهم في المحرم الموضع لهم ، فيسقط على هذا حكم المحرم الذي حلل لهم ، وتجيء السنة من ثلاثة عشر شهراً أولها المحرم المحلل ، ثم المحرم الذي هو في الحقيقة صفر ، ثم استقبال السنة كما ذكرنا . .
قال مجاهد : ثم كانوا يحجون في كل عام شهرين ولاء ، وبعد ذلك يبدلون فيحجون عامين ولاء ، ثم كذلك حتى كانت حجة أبي بكر في ذي القعدة حقيقة ، وهم يسمونه ذا الحجة ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ) سنة عشر في ذي الحجة حقيقة ، فذلك قوله : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) . .
ومناسبة هذه الآية أنه لما ذكر أنواعاً من قبائح أهل الشرك وأهل الكتاب ، ذكر أيضاً نوعاً منه وهو تغيير العرب أحكام الله تعالى ، لأنه حكم في وقت بحكم خاص ، فإذا غيَّروا ذلك الوقت فقد غيروا حكم الله . والشهور : جمع كثرة لما كانت أزيد من عشرة ، بخلاف قوله : ( الحج أشهر معلومات ) فجاء بلفظ جمع القلة ، والمعنى : شهور السنة القمرية ، لأنهم كانوا يؤرخون بالسنة القمرية لا شمسية ، توارثوه عن اسماعيل وابراهيم . ومعنى عند الله : أي ، في حكمه وتقديره كما تقول : هذا عند أبي حنيفة . وقيل : التقدير عدة الشهور التي تسمى سنة واثنا عشر ، لأنهم جعلوا أشهر العام ثلاثة عشر . وقرأ ابن القعقاع وهبيرة عن حفص : بإسكان العين مع إثبات الألف ، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة ، كما