@ 444 @ ينظر من قلب حدقته ، للنظر ثم نفى عنهم الإبصار كقوله ^ ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً [ مريم : 42 ] ومعنى ( إليك ) أيها الداعي وأفرد ، لأنه اقتطع قوله ( وتراهم ينظرون إليك ) من جملة الشرط ، واستأنف الإخبار عنهم بحالهم السيئ في انتفاء الإبصار كانتفاء السماع . وقيل : ' المعنى في قوله ( ينظرون إليك ) أي : يحاذونك من قولهم : ' المنازل تتناظر ' إذا كانت متحاذية يقابل بعضها بعضاً . وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآٍ ية على أن العباد لا ينظرون إلى ربهم ولا يرونه . ولا حجة لهم في الآية ، لأن النظر في الأصنام مجاز محض ، وجعل الضمير للأصنام . اختار الطبري . قال : ' ومعنى الآية تبيين جمودها ، وصغر شأنها . ' . قال : ' وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه ، لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكناً من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستولياً على عقولها لطفاً من الله تعالى بهم . وقال مجاهد والحسن والسدي : ' الضمير المنصوب في ( تدعوهم ) يعود على الكفار . ووصفهم بأنهم ( لا يسمعون ولا يبصرون ) إذ لم يتحصل لهم عن الاستماع والنظر فائدة ، ولا حصلوا منه بطائل . وهذا تأويل حسن . ويكون إثبات النظر حقيقة لا مجازاً ويحسن هذا التأويل الآية بعد هذه إذ في آخرها ( وأعرض عن الجاهلين ) أي : الذين من شأنهم أن تدعوهم لا يسمعون وينظرون إليك وهم لا يبصرون . فتكون مرتبة على العلة الموجبة لذلك وهي الجهل ^ ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) ^ هذا خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعم جميع أمته وهي أمر بجميع مكارم الأخلاق . وقال عبد الله بن الزبير ومجاهد وعروة والجمهور : أي : ' أقبل من الناس في أخلاقهم ، وأموالهم ، ومعاشرتهم ، بما أتى عفواً دون تكلف ، ولا تحرج ، والعفو : ضد الجهد . أي : لا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى لا ينفروا وقد أمر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله ' يسروا ولا تعسروا ' ، وقال حاتم : % ( خذي العفو مني تستديمي مودتي % ولا تنطقي في سورتي حين أغضب ) % | وقال الآخر : % ( إذا ما بلغة جاءتك عفواً % فخذها فالغنى مرعى وشرب ) % % ( إذا اتفق القليل وفيه سلم % فلا ترد الكثير وفيه حرب ) % | وقال الشعبي : ' سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - جبريل - عليه السلام - عن قوله تعالى ( خذ العفو ) فأخبره عن الله تعالى : انه يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ' . وقال ابن عباس والضحاك والسدي : ' هي في الأموال قبل فرض الزكاة ، أمر أن يأخذ ما سهل من أموال الناس أي : ما فضل وزاد ثم فرضت الزكاة فنسخت هذه وتؤخذ طوعاً وكرهاً ' . وقال مكي عن مجاهد : ' إن العفو هو الزكاة المفروضة ' . وقال ابن زيد : ' الآية جميعها في مداراة الكفار ، وعدم مؤاخذتهم ، ثم نسخ ذلك بالقتال ' . انتهى . والذي يظهر : القول الأول من أنه أمر بمكارم الأخلاق وأن ذلك حكم مستمر في الناس ليس بمنسوخ . ويدل عليه حديث الحر بن قيس حين أدخل عيينة بن حصن على عمر ، فكلم عمر كلاماً فيه غلطة ، فأراد عمر أن يهم به ، فتلا الحر هذه الآية على عمر فقرها ووقف عندها ' . والعرف : المعروف والجميل من الأفعال والأقوال . وقرأ عيسى بن عمر ( بالعرف ) بضم الراء . والأمر بالإعراض عن الجاهلين : حض على التخلق بالحلم ، والتنزه عن منازعة السفهاء ، وعلى الإغضاء عما يسوء . كقول من قال : ' إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ' وقول الآخر : ' إن كان ابن عمتك ، وكالذي جذب رداءه حتى حز في عنقه وقال أعطني من