@ 433 @ { إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً } فعداه بالباء وإما أن يتعلق بحفي على جهة التضمين لأنّ من كان حفياً بشيء أدركه وكشف عنه فالتقدير كأنك كاشف بحفاوتك عنها وإما أن تكون عن بمعنى الباء كما تكون الباء بمعنى عن في قوله ، فإن تسألوني بالنساء فإنني ، أي عن النساء ، وقرأ عبد الله كأنك حفيّ بها بالباء مكان عن أي عالم بها بليغ في العلم بها . .
{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ } أي علم مجيئها في علم الله وظرفية عند مجازية كما تقول النحو عند سيبويه أي في علمه وتكرير السؤال والجواب على سبيل التوكيد ولما جاء به من زيادة قوله كأنك حفي عنها . { وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } قال الطبري : لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظنّ أكثرهم أنه مما يعلمه البشر ، وقيل : لا يعلمون أن القيامة حق لأنّ أكثر الخلق ينكرون المعاد ويقولون { إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا } الآية . وقيل : لا يعلمون أي أخبرتك أن وقتها لا يعلمه إلا الله . وقيل لا يعلمون السبب الذي لأجله أخفيت معرفة وقتها والأظهر قول الطبري . .
2 ( { قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ) ) 2 .
{ قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ } . قال ابن عباس : قال أهل مكة ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري وتربح وبالأرض التي تجدب فترحل عنها إلى ما أخصب فنزلت ، وقيل لما رجع من غزوة المصطلق جاءت ريح في الطريق فأخبرت بموت رفاعة وكان فيه غيظ المنافقين ، ثم قال انظروا أين ناقتي ، فقال عبد الله بن أبيّ : ألا تعجبون من هذا الرجل يخبر عن موت رجل بالمدينة ولا يعرف أين ناقته ، فقال عليه السلام إن ناساً من المنافقين قالوا كيت وكيت وناقتي في الشعب وقد تعلق زمامها بشجرة فردوها على فنزلت ، ووجه مناسبتها لما قبلها ظاهر جداً وهذا منه عليه السلام إظهار للعبودية وانتفاء عن ما يختص بالربوبية من القدرة وعلم الغيب ومبالغة في الاستسلام فلا أملك لنفسي اجتلاب نفع ولا دفع ضر فكيف أملك علم الغيب كما قال في سورة يونس { وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ لِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } وقدم هنا النفع على الضرّ لأنه تقدم من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فقدّم الهداية على الضلال وبعده لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء فناسب تقديم النفع وقدم الضرّ في يونس على الأصل لأن العبادة لله تكون خوفاً من عقابه أولاً ثم طمعاً في ثوابه ولذلك قال { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } فإذا تقدم النفع فلسابقة لفظ تضمنه وأيضاً ففي يونس موافقة ما قبلها ففيها ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ما لا ينفعنا ولا يضرّنا لأنه موصول بقوله ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منهاوفي يونس { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } وتقدمه { ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ } { كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا * نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ } وفي الأنبياء قال { أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } وتقدمه قول الكفار لإبراهيم في المحاجّة { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ } وفي الفرقان { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ