@ 415 @ .
ولهذه الأمة من هذه الآية نصيب وافر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( لتسلكنّ سنن من قبلكم ) ومن اختبر حال علمائها وقضاتها ومفتيها شاهد بالعيان ما أخبر به الصادق ، وقال الزمخشري : الواو للحال يعني في وإن يأتهم أي يرجون المغفرة وهم مصرّون عائدون إلى مثل قولهم غير ناسين وغفران الذنوب لا يصحّ إلا بالتوبة والمصرّ لا غفران له انتهى ، وجمله على جعل الواو للحال لا للعطف مذهب الاعتزال والظاهر ما قدّمناه ولا يردّ عليه بأن جملة الشرط لا تقع حالاً لأنّ ذلك جائز . .
{ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } . هذا توبيخ وتقرير لما تضمنه الكتاب من أخذ الميثاق لا يكذبون على الله . قال ابن زيد : كان يأتيهم المحقّ برشوة فيخرجون له كتاب الله ويحكمون له به فإذا جاء المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا كتابهم الذي كتبوه بأيديهم وحكموا له وأضيف الميثاق إلى الكتاب لأنه ذكر فيه أن لا يقولوا على الله إلا الحقّ ، وقال بعضهم : هو قولهم سيغفر لنا ولا يتعين ذلك بل هو أعم من هذا القول وغيره فيندرج فيه الجزم بالغفران وغيره وأن لا يقولوا في موضع رفع على البدل من ميثاق الكتاب ، وقال الزمخشري : هو عطف بيان لميثاق الكتاب ومعناه الميثاق المذكور في الكتاب وفيه إنّ إثبات المغفرة بغير توبة خروج عن ميثاق الكتاب وافتراء على الله تعالى وتقول ما ليس بحق عليه وإن فسّر ميثاق الكتاب بما تقدم ذكره كان أن لا يقولوا مفعولاً له ومعناه لئلا يقولوا ويجوز أن تكون مفسّرة ولا يقولوا إنهيا ، كأنه قيل ألم يقل لكم لا تقولوا على الله إلا الحق ، وقال أيضاً : قبل ذلك ميثاق الكتاب يعني قوله في التوراة من ارتكب ذنباً عظيماً فإنه لا يغفر له إلا بالتوبة ودرسوا ما فيه أي ما في الكتاب من اشتراط التوبة في غفران الذنوب والذي عليه هوى المجبر هو مذهب اليهود بعينه كما ترى ، وقال مالك بن دينار رحمه الله : يأتي على الناس زمان إن قصروا عما أمروا به قالوا : سيغفر لنا لن نشرك بالله شيئاً كل أمرهم على الطمع خيارهم فيه المداهنة فهؤلاء من هذه الأمة أشباه الذين ذكرهم الله تعالى وتلا الآية انتهى ، وهو على الطمع خيارهم فيه المداهنة فهؤلاء من هذه الأمة أشباه الذين ذكرهم الله تعالى وتلا الآية انتهى ، وهو على طريقة المعتزلة وقوله : إلا الحقّ دليل على أنهم كانوا يقولون الباطل على تناولهم عرض الدنيا ودرسوا معطوف على قوله ألم يؤخذو وفي ذلك أعظم توبيخ وتقريع وهو أنهم كرّروا على ما في الكتاب وعرفوا ما فيه المعرفة التامة من الوعيد على قول الباطل والافتراء على الله وهذا العطف على التقرير لأنّ معناه قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه كقوله ألم نر بك فينا وليداً وليثبت معناه قد ربّيناك ولبثت ، وقال الطبري : وغيره هو معطوف على قوله ورثوا الكتاب وفيه بعد ، وقيل هو على إضمار قد أي وقد درسوا ما فيه وكونه معطوفاً على التقرير هو الظاهر لأن فيه معنى إقامة الحجة عليهم في أخذ ميثاق الكتاب بكونهم حفظوا لفظه وكرّروه وما نسوه وفهموا معناه وهم مع ذلك لا يقولون إلا الباطل ، وقرأ الجحدري أن لا تقولوا بتاء الخطاب ، وقرأ علي والسلمي : وادّارسوا وأصله وتدارسوا كقوله فادارأتم أي تدارأتم وقد مر تقريره في العربية ، وهذه القراءة نوضح أن معنى ودرسوا ما فيه هو التكرار لقراءته والوقوف عليه وأنّ تأويل من تأوّل ودرسوا ما فيه أن معناه ومحوه بترك العمل والفهم له من قولهم درست بالريح الآثار إذا محتها فيه بعد ولو كان كما قيل لقيل ربع مدروس وخط مدروس ، وإنما قالوا : ربع دارس وخط دارس بمعنى دائر . .
{ وَالدَّارُ الاْخِرَةُ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ * يَعْقِلُونَ } . أي ولثواب دار الآخرة خير من تلك الرشوة الخبيثة الخسيسة المعقبة خزي الدنيا والآخرة ومعنى يتقون محارم الله تعالى وقرأ أبو عمرو وأهل مكة يعقلون بالياء جرياً على الغيبة في الضمائر السابقة ، وقرأ الجمهور بالخطاب على طريقة الالتفات إليهم أو على طريق خطاب هذه الأمة كأنه قيل أفلا تعقلون حال هؤلاء وما هم عليه من سوء العمل ويتعجبون من تجارتهم على ذلك . .
{ وَالَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلَواةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْر