@ 304 @ % ( وسخر من جن الملائك تسعة % .
قياماً لديه يعملون بلا أجر .
) % .
{ أَبَى } : امتنع وأنف من السجود لآدم . { وَاسْتَكْبَرَ } : تكبر وتعاظم في نفسه وقدم الإباء على الاستكبار ، وإن كان الاستكبار هو الأول ، لأنه من أفعال القلوب وهو التعاظم ، وينشأ عنه الإباء من السجود اعتباراً بما ظهر عنه أولاً ، وهو الامتناع من السجود ، ولأن المأمور به هو السجود ، فلما استثنى إبليس كان محكوماً عليه بأنه ترك السجود ، أو بأنه مسكوت عنه غير محكوم عليه على الاختلاف الذي نذكره قريباً إن شاء الله . والمقصود : الإخبار عنه بأنه خالف حاله حال الملائكة . فناسب أن يبدأ أولاً بتأكيد ما حكم به عليه في الاستثناء ، أو بإنشاء الإخبار عنه بالمخالفة ، والذي يؤدي هذا المعنى هو الإباء من السجود . والخلاف الذي أشرنا إليه هو أنك إذا قلت : قام القوم إلا زيداً ، فمذهب الكسائي أن التخريج من الاسم ، وأن زيداً غير محكوم عليه ام ولا غيره ، فيحتمل أن يكون قد قام ، وأن يكون غير قائم . ومذهب الفراء أن الاستثناء من القول ، والصحيح مذهبنا ، وهو أن الاسم مستثنى من الاسم وأن الفعل مستثنى من الفعل . ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو ، ومفعول أبي محذوف لأنه يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، قال الشاعر : % ( أبى الضيم والنعمان يحرق نابه % .
عليه فأفضى والسيوف معاقله .
) % .
والتقدير : أبى السجود ، وأبى من الأفعال الواجبة التي معناها النفي ، ولهذا يفرغ ما بعد إلا كما يفرغ لفعل المنفي ، قال تعالى : { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } ، ولا يجوز : ضربت إلا زيداً على أن يكون استثناء مفرغاً لأن إلا لا تدخل في الواجب ، وقال الشاعر : % ( أبى الله إلا عدله ووفاءه % .
فلا النكر معروف ولا العرف ضائع .
) % .
وأبى زيد الظلم : أبلغ من لم يظلم ، لأن نفي الشيء عن الشخص قد يكون لعجز أو غيره ، فإذا قلت : أبى زيد كذا ، دل على نفي ذلك عنه على طريق الامتناع والأنفة منه ، فلذلك جاء قوله تعالى : { أَبَى } ، لأن استثناء إبليس لا يدل إلا على أنه لم يسجد ، فلو اقتصر عليه لجاز أن يكون تخلفه عن السجود لأمر غير الإباء ، فنص على سبب كونه لم يسجد وهو الإباء والأنفة . .
{ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } قيل : كان بمعنى صار ، وقيل : على بابها أي كان في علم الله لأنه لا خلاف أنه كان عالماً بالله قبل كفره . فالمعنى : أنه كان في علم الله سيكون من الكافرين . قال أبو العالية : من العاصين ، وصلة أل هنا ظاهرها الماضي ، فيكون قد سبق إبليس كفار ، وهم الجن الذين كانوا في الأرض ، أو يكون إبليس أول من كفر مطلقاً ، إن لم يصح أنه كان كفار قبله ، وإن صح ، فيفيد أول من كفر بعد إيمانه ، أو يراد الكفر الذي هو التغطية للحق ، وكفر إبليس قيل : جهل سلبه الله ما كان وهبه من العلم ، فخالف الأمر ونزع يده من الطاعة ، وقيل : كفر عناد ولم يسلب العلم بل كان الكبر مانعه من السجود . قال ابن عطية : والكفر عناداً مع بقاء العلم مستبعد ، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن شاء ، انتهى كلامه . .
وهذا الذي ذكره جوازه واقع بالفعل . هذا فرعون كان عالماً بوحدانية الله وربوبيته دون غيره ، ومع ذلك حمله حب الرئاسة والإعجاب بما أوتي من الملك ، فادعى الألوهية مع علمه . وأبو جهل ، كان يتحقق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ) ويعلم أن ما جاء به حق ، ومع ذلك أنكر نبوته ، وأقام على الكفر . وكذلك الأخنس ، وأمية بن أبي الصلت ، وغيرهما ممن كفر عناداً ، مع علمهم بصدق الرسل ، وقد قسم العلماء الكفار إلى