@ 367 @ وبدؤوا أوّلاً بالعلة العامة وهي الإفساد ثم اتبعوه بالخاصة ليدلّوا على أن ذلك الترك من فرعون لموسى وقومه هو أيضاً يؤول إلى شيء يختصّ بفرعون قدحوا بذلك زند تغيظه على موسى وقومه ليكون ذلك أبقى عليهم إذ هم الأشراف وبترك موسى وقومه بمصر يذهب ملكهم وشرفهم ، ويجوز أن يكون النصب على جواب الاستفهام والمعنى أنى يكون الجمع بين تركك موسى وقومه للإفساد وبين تركهم إياك وعبادة آلهتك أي إنّ هذا مما لا يمكن وقوعه ، وقرأ نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف عنه { وَيَذَرَكَ } بالرفع عطفاً على { أَتَذَرُ } بمعنى أتذره ويذرك أي أتطلق له ذلك أو على الاستئناف أو على الحال على تقدير وهو يذرك ، وقرأ الأشهب العقيلي والحسن بخلاف عنه { وَيَذَرَكَ } بالجزم عطفاً على التوهّم كأنه توهم النطق يفسدوا جزماً على جواب الاستفهام كما قال { فَأَصَّدَّقَ * وَنَبِيّا مّنَ الصَّالِحِينَ } أو على التخفيف من { وَيَذَرَكَ } ، وقرأ أنس بن مالك ونذرك بالنون ورفع الراء توعدوه بتركه وترك آلهته أو على معنى الإخبار أي إنّ الأمر يؤول إلى هذا ، وقرأ أبيّ وعبد الله { فِى الاْرْضِ } وقد تركوك أن يعبدوك { وَءالِهَتَكَ } ، وقرأ الأعمش وقد تركك وآلهتك . .
وقرأ الجمهور { وَءالِهَتَكَ } على الجمع والظاهر أنّ فرعون كان له آلهة يعبدها ، وقال سليمان التيمي : بلغني أنه كان يعبد البقر ، وقيل : كان يعبد حجراً يعلقه في صدره كياقوتة أو نحوها ، وقيل : الإضافة هي على معنى أنه شرع لهم عبادة آلهة من بقر وأصنام وغير ذلك وجعل نفسه الإله الأعلى فقوله على هذا { أَنَاْ رَبُّكُمُ الاْعْلَى } إنما هو بمناسبة بينه وبين سواه من المعبودات ، قيل : كانوا قبطاً يعبدون الكواكب ويزعمون أنها تستجيب دعاء من دعاها وفرعون كان يدعي أن الشمس استجابت له وملَّكته عليهم ، وقرأ ابن مسعود وعليّ وابن عباس وأنس وجماعة غيرهم وإلهتك وفسروا ذلك بأمرين أحدهما أنّ المعنى وعبادتك فيكون إذ ذاك مصدراً ، قال ابن عباس : كان فرعون يعبد ولا يعبد ، والثاني أن المعنى ومعبودك وهي الشمس التي كان يعبدها والشمس تمسى إلهة علماً عليها ممنوعة الصرف . .
{ قَالَ سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } وإنما لم يعاجل موسى وقومه بالقتال لأنه كان مليء من موسى رعباً والمعنى أنه قال سعيد عليهم ما كنا فعلنا بهم قبل من قتل أبنائهم ليقل رهطه الذين يقع الإفساد بواسطتهم والفوقية هنا بالمنزلة والتمكّن في الدنيا و { قَاهِرُونَ } يقتضي تحقيرهم أي قاهرون لهم قهراً قلّ من أن نهتم به فنحن على ما كنا عليه من الغلبة أو أنّ غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا ولئلا يتوهم العامة أن المولود الذي تحدّث المنجمون عنه والكهنة بذهاب ملكنا على يده فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه وإنه منتظر بعد وشدّد { سَنُقَتّلُ } ويقتلون الكوفيون والعربيان وخففهما نافع وخفف ابن كثير { سَنُقَتّلُ } وشدد ويقتلون . .
{ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُواْ بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ } لما توعّدهم فرعون جزعوا وتضجّروا فسكنهم موسى عليه السلام وأمرهم بالاستعانة بالله وبالصبر وسلاهم ووعدهم النصر وذكرهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم . .
{ إِنَّ الارْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } . أي أرض مصر وأل فيه للعهد وهي { الاْرْضِ } التي كانوا فيها ، وقيل : { الاْرْضِ } أرض الدّنيا فهي على العموم ، وقيل : المراد أرض الجنة لقوله { وَأَوْرَثَنَا الاْرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء } وتعدّى { اسْتَعِينُواْ } هنا بالباء وفي { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } بنفسه وجاء اللهم إنا نستعينك . .
{ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } قيل : النصر والظفر ، وقيل : الدار الآخرة ، وقي : السعادة والشهادة ، وقيل : الجنة ، وقال الزمخشري : الخاتمة المحمودة { لّلْمُتَّقِينَ } منهم ومن القبط وإنّ المشيئة متناولة لهم انتهى ، وقرأت فرقة { يُورِثُهَا } بفتح الراء ، وقرأ الحسن { يُورِثُهَا } بتشديد الراء على المبالغة ورويت عن حفص ، وقرأ ابن مسعود وأبيّ { وَالْعَاقِبَةُ } بالنصب عطفاً على { إِنّ