@ 361 @ ذلك من باب الإدلال لما يعلمونه من السحر ، وإيهام الغلبة ، والثقة بأنفسهم ، وعدم الاكتراث والابتهال بأمر موسى . كما قال الفراء لسيبويه حين جمع الرشيد بين سيبويه والكسائي أتسأل فأجيب ؟ أم أبتدئ وتجيب ؟ فهذا جاء التخيير فيه على سبيل الإدلال بنفسه ، والملاءة بما عنده ، وعدم الاكتراث بمناظرته ، والوثوق بأنه هو الغالب . قال الزمخشري : ' وقولهم ( وإما أن نكون نحن الملقين ) فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل ، وتعريف الخبر ، وإقحام الفصل ' . انتهى . وأجازوا في ( أن تلقي ) وفي ( أن نكون ) النصب . أي : اختر وافعل إما إلقاءك ' وإما القاءنا ' . والمعنى فيه البداءة والدفع . أي : إما إلقاؤك مبدوء به ، وإما القاؤنا . فيكون مبتدأ . أو ' إما أمرك الإلقاء ' . أي : البداءة به ، أو ' إما أمرنا الإلقاء ' . فيكون خبر مبتدأ محذوف . ودخلت ( أن ) لنه لا يكون الفعل وحده مفعولاً ولا مبتدأ . بخلاف قوله ! 2 < وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم > 2 ! [ التوبة : 106 ] فالفعل بعد إما هنا خبر ثان لقوله ( وآخرون ) أو صفة . فليس من مواضع ( أن ) ومفعول ( تلقى ) محذوف . أي : إما أن تلقي عصاك . وكذلك مفعول الملقين . أي : ' الملقين العصي والحبال ' . ! 2 < قال ألقوا > 2 ! أعطاهم موسى - عليه السلام - التقدم وثوقاً بالحق ، وعلماً أنه تعالى يبطله ، كما حكى الله عنه ! 2 < قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله > 2 ! [ يونس : 81 ] ، قال الزمخشري : ' وقد سوغ لهم موسى - عليه السلام - ما تراغبوا فيه . ازدراء لشأنهم ، وثقة بما كان بصدده من التأييد السماوي ، وأن المعجزة لم يغلبها سحر أبداً ' . انتهى . والمعنى : ألقوا حبالكم وعصيكم . والظاهر : أنه أمر بالإلقاء ، وقيل : ' هو تهديد ' . أي : فسترون ما يحل بكم من الافتضاح . ! 2 < فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم > 2 ! أي : ' أروا العيون بالحيل والتخيلات ما لا حقيقة له ' . كما قال تعالى ! 2 < يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى > 2 ! [ طه : 66 ] ، وفي قوله ( سحروا أعين الناس ) دلالة على أن السحر لا يقلب عيناً وإنما هو من باب التخيل ( واسترهبوهم ) أي : أرهبوهم . و ( استفعل ) هنا بمعنى ( أفعل ) ك ( أبل ) واستبل . و ( الرهبة ) الخوف والفزع . وقال الزمخشري : ( واسترهبوهم ) وأرهبوهم إرهاباً شديداً . كأنهم استدعوا رهبتهم ' . انتهى . وقال ابن عطية ' ( واسترهبوهم ) بمعنى وأرهبوهم ، فكأن فعلهم اقتضى واستدعى الرهبة من الناس ' . انتهى . ولا يظهر ما قالا ، لأن الاستدعاء والطلب لا يلزم منه وقوع المستدعى والمطلوب . والظاهر هنا : حصول الرهبة ، فلذلك قلنا : إن ' استفعل ' فيه موافق ' أفعل ' وصرح أبو البقاء بأن معنى ( استرهبوهم ) طلبوا منهم الرهبة . ووصف السحر ( بعظيم ) لقوة ما خيل أو لكثرة آلاته من الحبال والعصي . روي أنهم جاؤوا بحبال من أدم ، وأخشاب مجوفة ، مملوءة زئبقاً ، وأوقدوا في الوادي ناراً ، فحميت بالنار من تحت ، وبالشمس من فوق ، فتحركت ، وركب بعضها بعضاً . وهذا من باب الشعبذة ، والدك . وروي غير هذا من حيلهم . وفي الكلام حذف تقديره : ' قالوا ألقوا : فألقوا ( فلما ألقوا ) والفاء عاطفة على هذا المحذوف . وقال ' الحوفي ' : ' الفاء جواب الأمر ' . انتهى ، وهو لا يعقل ما قال . ونقول : وصف ( بعظيم ) لما ظهر من تأثيره في الأعضاء الظاهرة التي هي الأعين بما لحقها من تخييل العصي والحبال حيات ، وفي الأعضاء الباطنة التي هي القلوب بما لحقها من الفزع والخوف ، ولما كانت الرهبة ناشئة عن رؤية الأعين وتأخرت الجملة الدالة عليها . | ^ ( وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ، وألقي السحرة ساجدين ، قالوا آمنا