@ 298 @ بالعلم على الوصف بالحكمة ، لأنه المتصل به في قوله : { وَعَلَّمَ } ، { أَنبِئُونِى } ، { لاَ عِلْمَ لَنَا } . فالذي ظهرت به المزية لآدم والفضيلة هو ، فناسب ذكره متصلاً به ، ولأن الحكمة إنما هي آثار وناشئة عنه ، ولذلك أكثر ما جاء في القرآن تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة . ولأن يكون آخر مقالهم مخالفاً لأوله حتى يبين رجوعهم عن قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا } ، وعلى القول بأن الحكيم هو ذو الحكمة ، يكون الحكيم صفة ذات ، وعلى القول بأنه المحكم لصنعته يكون صفة فعل . وأنت : يحتمل أن يكون توكيداً للضمير ، فيكون في موضع نصب ، أو مبتدأ فيكون في موضع رفع ، والعليم مخبره ، أو فضلاً فلا يكون له موضع من الإعراب ، على رأي البصريين ، ويكون له موضع من الإعراب على رأي الكوفيين . فعند الفراء موضعه على حسب الاسم قبله ، وعند الكسائي على حسب الاسم بعده ، والأحسن أن يحمل العليم الحكيم على العموم ، وقد خصه بعضهم فقال : العليم بما أمرت ونهيت ، الحكيم فيما قدرت وقضيت . وقال آخر : العليم بالسر والعلانية ، والحكيم فيما يفعله وهو قريب من الأول . .
{ قَالَ يَاءادَمُ * ءادَمَ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ } : نادى آدم باسمه العلم ، وهي عادة الله مع أنبيائه ، قال تعالى : { قِيلَ يانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مّنَّا } ، { قَالَ يانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } ، { أَن ياإِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } ، { أَن يامُوسَى إِنّى أَنَا اللَّهُ } ، { اللَّهُ ياعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ } ، ونادى محمداً نبينا صلى الله عليه وسلم ) وعلى سائر الأنبياء بالوصف الشريف من الإرسال والإنباء فقال : { اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ } { مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِىّ } . فانظر تفاوت ما بين هذا النداء وذاك النداء ، والضمير في أنبئهم عائد إلى الملائكة ، وفي بأسمائهم عائد على المعروضين على الخلاف السابق . قال القشيري : من آثار العناية بآدم عليه السلام لما قال للملائكة : أنبئوني ، داخلهم من هيبة الخطاب ما أخذهم عنهم ، لا سيما حين طالبهم بإنبائهم إياه ما لم تحط بهم علمومهم . ولما كان حديث آدم رده في الإنباء إليهم فقال : { أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ } ، ومخاطبة آدم للملائكة لم توجب الاستغراق في الهيبة . فلما أخبرهم آدم عليه السلام بأسماء ما تقاصرت عنه علومهم ، ظهرت فضيلته عليهم فقال : { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ } ، يعني ما تقاصرت عنه علوم الخلق وأعلم ما تبدون من الطاعات وتكتمون من اعتقاد الخيرية على آدم . انتهى كلام القشيري . .
والجملة المفتتحة بالقول إذا كانت مرتباً بعضها على بعض في المعنى ، فالأصح في لسان العرب أنها لا يؤتى فيها بحرف ترتب ، اكتفاء بالتريب المعنوي ، نحو قوله تعالى : { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا } ، أتى بعده ، { قَالَ إِنّي أَعْلَمُ } ، ونحو : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ } ، { قَالَ يَاءادَمُ * ءادَمَ أَنبِئْهُم } ، ونحو : { قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ } ، { قَالَ أَنَّى يُحْىِ هَاذِهِ اللَّهُ } ، { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ، { قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ } ، { قَالَ أُوْحِى * لَّمْ تُؤْمِنُواْ * قَالَ بَلَى وَلَاكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } ، { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطَّيْرِ } . وقد جاء في سورة الشعراء من ذلك عشرون موضعاً في قصة موسى ، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ، في إرساله إلى فرعون ومحاورته معه ، ومحاورة السحرة ، إلى آخر القصة ، دون ثلاثة ، جاء منها اثنان جواباً وواحد كالجواب ، ونحو هذا في القرآن كثير . وقرأ الجمهور : أنبئهم بالهمز وضم الهاء ، وهذا الأصل كما تقول : أكرمهم . وروي عن ابن عباس : أنبئهم بالهمز وكسر الهاء ، ووجهه أنه أتبع حركة الهاء لحركة الباء ، ولم يعتد بالهمزة لأنها ساكنة ، فهي حاجز غير حصين . وقرىء : أنبيهم ، بإبدال الهمزة وكسر الهاء . وقرأ الحسن والأعرج وابن كثير من طريق القواس : أنبهم ، على وزن أعطهم ، قال ابن جني : هذا على إبدال الهمزة ياء ، على أنك تقول : أنبيت ، كأعطيت ، قال : وهذا ضعيف في اللغة لأنه بدل لا تخفيف . والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر . انتهى كلام أبي الفتح . وما ذكر من أنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ليس بصحيح . .
حكى الأخفش في الأوسط : أن العرب تحول من الهمزة موضع اللام ياء ، فيقولون : قريت ، وأخطيت ، وتوضيت ، قال : وربما حولوه إلى الواو ، وهو قليل