@ 311 @ الآية فقال : كيف استوى فأطرق رأسه مليّاً وعلّته الرخصاء ثم قال : الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك إلا ضالاً ثم أمر به فأخرج . .
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ } التغشية التغطية والمعنى أنه يذهب الليل نور النهار ليتم قوام الحياة في الدنيا بمجيء الليل والنهار فالليل للسكون والنهار للحركة وفحوى الكلام يدلّ على أنّ النهار يغشيه الله الليل وهما مفعولان لأنّ التضعيف والهمزة معدّيان ، وقرأ بالتضعيف الأخوان وأبو بكر وبإسكان الغين باقي السبعة وبفتح الياء وسكون الغين وفتح الشين وضم اللام حميد بن قيس كذا قال عنه أبو عمرو الداني ، وقال أبو الفتح عثمان بن جني عن حميد بنصب { الَّيْلَ } ورفع { النَّهَارَ } ، قال ابن عطية وأبو الفتح أثبت انتهى وهذا الذي قاله من أنّ أبا الفتح أثبت كلام لا يصح إذ رتبة أبي عمرو الداني في القراءات ومعرفتها وضبط رواياتها واختصاصه بذلك بالمكان الذي لا يدانيه أحد من أثمة القراءات فضلاً عن النحاة الذين ليسوا مقرئي ولا رووا القرآن عن أحد ولا روي عنهم القرآن هذا مع الديانة الزائدة والتثبت في النّقل وعدم التجاسر ووفور الخط من العربية فقد رأيت له كتاباً في كلا وكتاباً في إدغام أبي عمرو الكبير دلاًّ على إطلاعه على ما لا يكاد يطلع عليه أثمة النحاة ولا المقرئين إلى سائر تصانيفه رحمه الله والذي نقله أبو عمرو الداني عن حميد أمكن من حيث المعنى لأنّ ذلك موافق لقراءة الجماعة إذ الليل في قراءتهم وإن كان منصوباً هو الفاعل من حيث المعنى إذ همزة النقل أو التضعيف صيره مفعولاً ولا يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً من حيث المعنى لأن المنصوبين تعدّى إليهما الفعل وأحدهما فاعل من حيث المعنى فيلزم أن يكون الأول منهما كما لزم ذلك في ملكت زيداً عمراً إذ رتبة التقديم هي الموضّحة أنه الفاعل من حيث المعنى كما لزم ذلك في ضرب موسى عيسى والجملة من يطلبه حال من الفاعل من حيث المعنى وهو الليل إذ هو المحدث عنه قبل التعدية وتقديره حاثاً ويجوز أن يكون حالاً من النهار وتقديره محثوثاً ويجوز أن ينتصب نعتاً لمصدر محذوف أي طلباً حثيثاً أي حثاً أو محثاً ونسبة الطلب إلى الليل مجازية وهو عبارة عن تعاقبه اللازم فكأنه طالب له لا يدركه بل هو في إثره بحيث يكاد يدركه وقدّم الليل هنا كما قدمه في { يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ } وفي { وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } وفي { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } ، وقال أبو عبد الله الرازي وصف هذه الحركة بالسرعة والشدة لأنّ تعاقب الليل والنهار يحصل بحركة الفلك الأعظم وتلك الحركة أشد الحركات سرعة وأكملها شدّة حتى إنّ الباحثين عن أحوال الموجودات قالوا : الإنسان إذا كان في العدو الشديد الكامل قبل أن يرفع رجله ويضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل ولهذا قال : { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } ونظيره { لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا } الآية شبه ذلك المسير وتلك الحركة بالسباحة في الماء والمقصود التنبيه على السرعة والسهولة وكمال الاتصال انتهى وفيه بعض تلخيص . .
{ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ } انتصب { مُسَخَّراتٍ } على الحال من المجموع أي وخلق الشمس ، وقرأ ابن عامر بالرفع في الأربعة على الابتداء والخبر ، وقرأ أبلان بن ثعلب برفع { وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ } فقط على الابتداء والخبر ومعنى { بِأَمْرِهِ } بمشيئته وتصريفه وهو متعلق بمسخرات أي خلقهن جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره وكما يريد أن يصرفها سمي ذلك أمراً على التشبيه كأنّهن مأمورات بذلك ، وقال أبو عبد الله الرازي الشمس لها نوعان من الحركة أحدهما بحسب ذاتها وذلك يتم في سنة كاملة وبسبب ذلك تحصل السّنة ، والثاني حركتها بحسب حركة الفلك الأعظم ويتم في اليوم بليلته فتقول الليل والنهار لا يحصلان بحركة الشمس وإنما يحصلان بحركة السماء الأقصى الذي يقال له العرش فلهذا السبب لما دل على العرش بقوله { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } وربط بقوله { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ } تنبيهاً على أنّ الفلك الأعظم وهو العرش يحرك الأفلاك والكواكب على خلاف طبعها من المشرق إلى المغرب وأنه تعالى أودع في جرم الشمس قوة قاهرة باعتبارها قويت على قهر جميع الأفلاك