@ 293 @ لأن هذا الاسم لا ينصرف ، وأجاز بعضهم أن تكون أفعل التفضيل . والتقدير : أعلم منكم ، وما منصوبة بفعل محذوف يدل عليه أعلم ، أي علمت ، وأعلم ما لا تعلمون . .
وهذا القول فيه خروج عن الظاهر وادعاء حذفين : أحدهما : حذف المفضل عليه وهو منكم . والثاني : الفعل الناصب للموصول ، وأما ما أجازه مكي فهو مبني على أمرين غير صحيحين . أحدهما : ادّعاء أن أفعل تأتي بمعنى فاعل ، وهذا قال به أبو عبيدة من المتقدمين ، وخالفه النحويون وردوا عليه قوله ، وقالوا : لا يخلوا أفعل من التفضيل ، وإن كان يوجد في كلام بعض المتأخرين أن أفعل قد يخلو من التفضيل ، وبنوا على ذلك جواز مسألة يوسف أفضل إخوته ، حتى أن بعضهم ذكر في جواز اقتياسه خلافاً ، تسليماً منه أن ذلك مسموع من كلام العرب فقال : واستعماله عارياً دون من مجرداً عن معنى التفضيل ، مؤولاً باسم فاعل أو صفة مشبهة ، مطرد عند أبي العباس ، والأصح قصره على السماع ، انتهى كلامه . والأمر الثاني : أنه إذا سلم وجود أفعل عارياً من معنى التفضيل ، فهو يعمل عمل اسم الفاعل أم لا . والقائلون بوجود ذلك لا يقولون بإعماله عمل اسم الفاعل إلا بعضهم ، فأجاز ذلك ، والصحيح ما ذهب إليه النحويون المتقدمون من كون أفعل لا يخلو من التفضيل ، ولا مبالاة بخلاف أبي عبيدة لأنه كان يضعف في النحو ، ولا بخلاف بعض المتأخرين لأنهم مسبوقون بما هو كالإجماع من المتقدمين ، ولو سلمنا إسماع ذلك من العرب ، فلا نسلم اقتياسه ، لأن المواضع التي أوردت دليلاً على ذلك في غاية من القلة ، مع أنها قد تؤولت . ولو سلمنا اقتباس ذلك ، فلا نسلم كونه يعمل عمل اسم الفاعل . وكيف نثبت قانوناً كلياً ولم نسمع من العرب شيئاً من أفراد تركيباته لا يحفظ : هذا رجل أضرب عمراً ، بمعنى ضارب عمراً ، ولا هذه امرأة أقتل خالداً ، بمعنى قاتلة خالداً ، ولا مررت برجل أكسى زيداً جبة ، بمعنى : كاس زيداً جبة . وهل هذا إلا إحداث تراكيب لم تنطق العرب بشيء من نظيرها ؟ فلا يجوز ذلك . وكيف يعدل في كتاب الله عن الشيء الظاهر الواضح من كون أعلم فعلاً مضارعاً إلى هذا الذي هو ؟ كما رأيت في علم النحو ، وإنما طولت في هذه المسألة لأنهم يسلكون ذلك في مواضع من القرآن سيأتي بيانها ، إن شاء الله تعالى ، فينبغي أن يتجنب ذلك . ولأن استعمال أفعل عارية من معنى التفضيل مشهور عند بعض المتأخرين ، فنبهت على ما في ذلك ، والمسألة مستوفاة الدلائل . نذكر في علم النحو : { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } الذي مدح الله به نفسه من العلم دونهم علمه ما في نفس إبليس مع البغي والمعصية ، قاله ابن عباس ومجاهد والسدي عن أشياخه أو علمه بأنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء وصالحون ، قاله قتادة ، أو علمه بمن يملأ جهنم من الجنة والناس ، قاله ابن زيد ؛ أو علمه بعواقب الأمور فيبتلي من تظنون أنه مطيع فيؤديه الابتلاء إلى المعصية ، ومن تظنون أنه عاص فيؤديه الابتلاء إلى الطاعة فيطيع ، قاله الزجاج ، أو علمه بظواهر الأمور وباطنها ، جليها ودقيقها ، عاجلها وآجلها ، صالحها وفاسدها ، على اختلاف الأحوال والأزمان علماً حقيقياً ، وأنتم لا تعلمون ذلك ، أو علمه بغير اكتساب ولا نظر ولا تدبر ولا فكر ، وأنتم لا تعلمون المعلومات على هذا النسق . أو علمه بأن معهم إبليس ، أو علمه باستعاظمكم أنفكم بالتسبيح والتقديس . والذي يدل عليه ظاهر اللفظ أنه أخبرهم إذا تكلموا بالجملة السابقة التي هي أتجعل فيها بأنه يعلم ما لا تعلمونه . وأبهم في إخباره الأشياء التي يعلمها دونهم ، فإذا كان كذلك ، فإخباره بأنه يجعل في الأرض خليفة يقتضي التسليم له والرجوع إليه فيما أراد أن يفعله والرضا بذلك ، لأن علمه محيط بما لا يحيط به علم عالم ، جل الله وعز . والأحسن أن يفسر هذا المبهم بما أخبر به تعالى عنه من قوله ، قال : { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ } الآية . .
{ وَعَلَّمَ ءادَمَ الاسْمَاء