@ 258 @ بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } هذا قطع لاعتذارهم بانحصار إنزال الكتاب على الطائفتين وبكونهم لم ينزل عليهم كتاب ، ولو نزل لكانوا أهدى من الطائفتين . والظاهر أن البينة هي القرآن وهو الحجة الواضحة الدالة النيرة حيث نزل عليهم بلسانهم وألزم العالم أحكامه وشريعته وإن الهدى والنور من صفات القرآن . وقيل : البينة الرسول قاله ابن عباس { بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } أي حجة وهو النبي صلى الله عليه وسلم ) والقرآن . وقيل : آيات الله التي أظهرها في كتابه وعلى لسان رسوله . وقيل : دين الله والهدى والنور على هذه الأقوال من صفات ما فسرت البينة به والفاء في قوله : { فَقَدْ جَاءكُمُ } على ما قدره الزمخشري وغيره جواب شرط محذوف . قال الزمخشري : والمعنى إن صدقتم فيما كنتم تعدّون من أنفسكم { فَقَدْ جَاءكُمْ بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف ؛ انتهى . وقدره غيره إن كنتم كما تزعمون إذا نزل عليكم كتاب تكونون أهدى من اليهود والنصارى ، { فَقَدْ جَاءكُمُ } وأطبق المفسرون على أن الغرض بهذه الجملة إقامة الحجة على مشركي العرب وقطع احتجاجهم . .
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا } أي بعد مجيء البينة والهدى والنور لا يكون أحد أشد ظلماً من المكذب بالأمر الواضح النير الذي لا شبهة فيه والمعرض عنه بعدما لاحت له صحته وصدقه وعرفه أو تمكن من معرفته ، وتأخر الإعراض لأنه ناشىء عن التكذيب والإعراض عن الشيء هو بعد رؤيته وظهوره . وقيل : قبل الفاء شرط محذوف تقديره فإن كذبتم فلا أحد أظلم منكم وآيات الله يحتمل أن يراد بها القرآن والرسول والأولى أن يحمل على العموم ، { وَصَدَفَ } لازم بمعنى أعرض وقد شرحناه على هذا المعنى ومتعدّ أي صدف عنها غيره بمعنى صده وفيه مبالغة في الذمّ حيث { كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ } وجعل غيره يعرض عنها ويكذب بها . وقرأ ابن وثاب وابن أبي عبلة { مِمَّن كَذَّبَ } بتخفيف الذال . .
{ سَنَجْزِى الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوء الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } علق الجزاء على الصدوف لأنه هو ناشىء عن التكذيب ، و { سُوء الْعَذَابِ } شديده كقوله ؛ { الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ } وقرأت فرقة { يَصْدِفُونَ } بضم الدال . .
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءايَاتِ رَبّكَ } الضمير في { يُنظَرُونَ } عائد على الذين قيل لهم { فَقَدْ جَاءكُمْ بَيّنَةٌ } وهم العادلون بربهم من العرب الذين مضى أكثر السورة في جدالهم أي ما ينتظرون { إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلَائِكَةُ } إلى قبض أرواحهم وتعذيبها وهو وقت لا تنفع فيه توبتهم وهو قول مجاهد وقتادة وابن جريج . وقيل : { أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلَائِكَةُ } الذين ينصرفون يوم القيامة يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين . وقيل : ذلك إشارة إلى قولهم : أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً أي رسلاً من الله إليهم كما تمنوا ، أو يأتي أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره قاله ابن عباس . وقال مجاهد { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } بعلمه وقدرته بلا أين ولا كيف لفصل القضاء بين خلقه في الموقف يوم القيامة . وقال الزجاج : أو أتي إهلاك ربك إياهم . قال ابن عطية : وعلى كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقديره أمر ربك وبطش وحساب ربك ، وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله تعالى ألا ترى أن الله تعالى يقول : { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } فهذا إتيان قد وقع وهو على المجاز وحذف المضاف . وقال الزمخشري : { أَوْ يَأْتِىَ } كل آيات ربك بدليل قوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ } يريد آيات القيامة والهلاك الكلي و { بَعْضُ ءايَاتِ رَبّكَ } أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغيرها ؛ انتهى . وقال ابن مسعود وابن عمر ومجاهد وقتادة والسدي : إنه طلوع الشمس من مغربها ورواه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ) وفي الصحيحين عنه عليه السلام ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من