@ 290 @ العالم إذ هو ، قالوا : ومعموله الجملة من قوله : أتجعل ؟ ولما كانت الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول ، لم يكن قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا } الآية ، إلا عن نبأ ومقدمة ، فقيل : الهمزة ، وإن كان أصلها للاستفهام ، فهو قد صحبه معنى التعجب ، قاله مكي وغيره ، كأنهم تعجبوا من استخلاف الله من يعصيه أو من يعصي من يستخلفه في أرضه . وقيل : هو استفهام على طريق الاستعظام ، والإكبار للاستخلاف والعصيان . وقيل : هو استفهام معناه التقرير ، قاله أبو عبيدة ، قال الشاعر : % ( ألستم خير من ركب المطايا % .
وأندى العالمين بطون راح .
) % .
وعلى هذه الأقوال يكون علمهم بذلك قد سبق ، إما بإخبار من الله ، أو بمشاهدة في اللوح ، أو يكون ومخلوق غيرهم وهم معصومون ، أو قالوا ذلك بطريق القياس على من سكن الأرض فأفسد قبل سكنى الملائكة ، أو استنبطوا ذلك من لفظ خليفة ، إذ الخليفة من يكون نائباً في الحكم ، وذلك يكون عند التظالم . وقيل : هو استفهام محض ، قاله أحمد بن يحيى ، وقدره : أتجعل هذا الخليفة على طريقة من تقدّم من الجن أم لا ؟ وفسره أبو الفضل التجلي : أي أم تجعل من لا يفسد ، وقدره غيرهما ، ونحن نسبح بحمدك ، أم تتغير ؟ فعلى الأقوال الثلاثة الأول لا معادل للاستفهام ، لأنه مذهوب به مذهب التعجب أو الاستعظام أو التقرير . وعلى القول الرابع يكون المعادل مفعول أتجعل ، وهو من يفسد . وعلى القول الخامس تكون المعادلة من الجملة الحالية التي هي قوله ، ونحن نسبح بحمدك . وقرأ الجمهور : ويسفك بكسر الفاء ورفع الكاف . وقرأ أبو حياة وابن أبي عبلة : بضم الفاء . وقُرىء : ويسفك من أسفك ويسفك من سفك مشدّد الفاء . وقرأ ابن هرمز : ويسفك بنصب الكاف ، فمن رفع الكاف عطف على يفسد ، ومن نصب فقال المهدوي : هو نصب في جواب الاستفهام ، وهو تخريج حسن وذلك أن المنصوب في جواب الاستفهام أو غيره بعد الواو بإضمار أن يكون المعنى على الجمع ، ولذلك تقدر الواو بمعنى مع ، فإذا قلت : أتأتينا وتحدثنا ونصبت ، كان المعنى على الجمع بين أن تأتينا وتحدثنا ، أي ويكون منك إتيان مع حديث ، وكذلك قوله : % ( أتبيت ريان الجفون من الكرى % .
وأبيت منك بليلة الملسوع .
) % .
معناه : أيكون منك مبيت ريان مع مبيتي منك بكذا ، وكذلك هذا يكون منك جعل مفسد مع سفك الدماء . وقال أبو محمد بن عطية : النصب بواو الصرف قال : كأنه قال من يجمع أن يفسد وأن يسفك ، انتهى كلامه . والنصب بواو الصرف ليس من مذاهب البصريين . ومعى واو الصرف : أن الفعل كان يستحق وجهاً من الإعراب غير النصب فيصرف بدخول الواو عليه عن ذلك الإعراب إلى النصب كقوله تعالى : { وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ } ، في قراءة من نصب ، وكذلك : { وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } . فقياس الأول الرفع ، وقياس الثاني الجزم ، فصرفت الواو الفعل إلى النصب ، فسميت واو الصرف ، وهذا عند البصريين منصوب بإضمار أن بعد الواو . والعجب من ابن عطية أنه ذكر هذا الوجه أولاً وثنى بقول الهدوي ، ثم قال : والأول أحسن . وكيف يكون أحسن وهو شيء لا يقول به البصريون وفساده مذكور في علم النحو ؟ ولما كانت الصلة يفسد ، وهو فعل في سياق الإثبات ، فلا يدل على التعميم في الفساد . نصوا على أعظم الفساد ، وهو سفك الدماء ، لأنه به تلاشي الهياكل الجسمانية التي خلقها الله ، ولو لم ينصوا عليه لجاز أن لا يراد من قولهم : يفسد ، وكرر فيها لأن في ذلك تنبيهاً على أن ما كان محلاً للعبادة وطاعة الله