@ 185 @ .
{ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } قال الزمخشري : يبسطون إليهم أيديهم يقولون : هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم وهذه عبارة عن العنف في السياق والإلحاح الشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط ببسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله ويقول له أخرج إليّ ما لي عليك الساعة وإلا أديم مكاني حتى أنزعه من أصدقائك ومن قال : إن بسط الأيدي هو في النار فالمعنى أخرجوا أنفسكم من هذه المصائب والمحن وخلصوها إن كان ما زعمتموه حقاً في الدنيا وفي ذلك توقيف وتوبيخ على سالف فعلهم القبيح ، وقيل هو أمر على سبيل الإهانة والإرعاب وإنهم يمنزلة من تولي إزهاق نفسه . .
{ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } أي الهوان ، وقرأ عبد الله وعكرمة { عَذَابِ } بالألف وفتح الهاء واليوم من قال : إن هذا في الدنيا كان عبارة عن وقت الإماتة والعذاب ما عذبوا به من شدة النزع أو الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ ، ومن قال : إن هذا في القيامة كان عبارة عن يوم القيامة أو عن وقت خطابهم في النار ، وأضاف العذاب إلى الهون لتمكنه فيه لأن التنكيل قد يكون على سبيل الزجر والتأديب ، ولا هوان فيه وقد يكون على سبيل الهوان . .
{ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقّ } القول على الله غير الحق يشمل كل نوع من الكفر ويدخل فيه دخولاً أولوياً من تقدم ذكره من المفترين على الله الكذب . .
{ وَكُنتُمْ عَنْ ءايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } أي عن الأيمان بآياته وجواب لو محذوف تقديره لرأيت أمراً عظيماً ولرأيت عجباً وحذفه أبلغ من ذكره وترى بمعنى رأيت لعمله في الظرف الماضي وهو { إِذْ * وَالْمَلَئِكَةُ بَاسِطُواْ } جملة حالية و { أَخْرِجُواْ } معمول لحال محذوفة أي قائلين أخرجوا وما في بما مصدرية . .
{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } قال عكرمة قال : النضر بن الحارث سوف تشفع في اللات والعزى فنزلت : ولما قال { الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } وقفهم على أنهم يقدمون يوم القيامة منفردين لا ناظر لهم محتاجين إليه بعد أن كانوا ذوي خول وشفعاء في الدنيا ويظهر أن هذا الكلام هو من خطاب الملائكة الموكلين بعقابهم ، وقيل : هو كلام الله لهم وهذا مبني على أن الله تعالى يكلم الكفار ، وهو ظاهر من قوله : { فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } ومن قوله : { فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ } و { جِئْتُمُونَا } من الماضي الذي أريد به المستقبل ، وقيل : هو ماض على حقيقته محكي فيقال لهم : حالة الوقوف بين يدي الله للجزاء والحساب ، قال ابن عباس : { فُرَادَى } من الأهل والمال والولد ، وقال الحسن : كل واحد على حدته بلا أعوان ولا شفعاء ، وقال مقاتل : ليس معكم شيء من الدنيا تفتخرون به ، وقال الزجاج : كل واحد مفرد عن شريكه وشفيعه ، وقال ابن كيسان : { فُرَادَى } من المعبود ، وقيل : أعدناكم بلا معين ولا ناصر وهذه الأقوال متقاربة لما كانوا في الدنيا جهدوا في تحصيل الجاه والمال والشفعاء جاؤوا في الآخرة منفردين عن كل ما حصلوه في الدنيا ، وقرىء فراد غير مصروف ، وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة فراداً بالتنوين وأبو عمرو ونافع في حكاية خارجة عنهما فردى مثل سكارى كقوله : { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى } وأنث على معنى الجماعة والكاف في كما في موضع نصب ، قيل : بدل من فرادى ، وقيل : نعت لمصدر محذوف أي مجيئا { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ } يريد كمجيئكم يوم خلقناكم وهو شبيه بالانفراد الأول وقت الخلقة فهو تقييد لحالة الانفراد تشبيه بحالة الخلق لأن الإنسان يحلق أقشر لا مال له ولا ولد ولا حشم ، وقيل : عراة غرلاً ومن قال : على الهيئة التي ولدت عليها في الانفراد يشمل هذين القولين وانتصب أول مرة على الظرف أي أول زمان ولا