@ 283 @ .
فإن جاء بعده ما ظاهره أنه منصوب به نحو : قوله تعالى إن ربك هو أعلم من يضل ، وقول الشاعر : .
وأضرب منا بالسيوف القوانسا .
أول بأنه معمول لفعل محذوف يدل عليه أفعال التفضيل . .
{ شَىْء } : قد تقدم اختلاف الناس في مدلول شيء . فمن أطلقه على الموجود والمعدوم كان تعلق العلم بهما من هذه الآية ظاهراً ، ومن خصه بالموجود فقط كان تعلق علمه تعالى بالمعدوم مستفاداً من دليل آخر غير هذه الآية . { عَلِيمٌ } ؛ قد ذكرنا أنه من أمثلة المبالغة ، وقد وصف تعالى نفسه بعالم وعليم وعلام ، وهذان للمبالغة . وقد أدخلت العرب الهاء لتأكيد المبالغة في علامة ، ولا يجوز وصفه به تعالى . والمبالغة بأحد أمرين : أما بالنسبة إلى تكرير وقوع الوصف سواء اتحد متعلقه أم تكثر ، وأما بالنسبة إلى تكثير المتعلق لا تكثير الوصف . ومن هذا الثاني المبالغة في صفات الله تعالى ، لأن علمه تعالى واحد لا تكثير فيه ، فلما تعلق علمه تعالى بالجميع كلية وجزئية دقيقة ، وجليلة معدومة وموجودة ، وصف نفسه تعالى بالصفة التي دلت على المبالغة ، وناسب مقطع هذه الآية بالوصف بمبالغة العلم ، لأنه تقدم ذكر خلق الأرض والسماء والتصرف في العالم العلوي والسفلي وغير ذلك من الإماتة والإحياء ، وكل ذلك يدل على صدور هذه الأشياء عن العلم الكامل التام المحيط بجميع الأشياء . وقال بعض الناس : العليم من كان علمه من ذاته ، والعالم من كان علمه متعدياً من غيره ، وهذا ليس بجيد لأن الله تعالى قد وصف نفسه بالعالم ، ولم يكن علمه بتعلم . وفي تعميم قوله تعالى : { بكل شيء عليم رد على من زعم أن علم الله تعالى متعلق بالكليات لا بالجزئيات ، تعالى الله عن ذلك . وقالوا : علم الله تعالى يتميز على علم عباده بكونه واحداً يعلم به جميع المعلومات ، وبأنه لا يتغير بتغيرها ، وبأنه غير مستفاد من حاسة ولا فكر ، وبأنه ضروري لثبوت امتناع زواله ، وبأنه تعالى لا يشغله علم عن علم ، وبأن معلوماته تعالى غير متناهية . وفي قولهم لا يشغله علم عن علم ، يريدون ، معلوم عن معلوم ، لأنه قد تقدم أن علم الله واحد ولا يشغله تعلق علم شيء عن تعلقه بشيء آخر . .
وتضمن قوله تعالى : { إن الله لا يستحي } إلى آخر قوله : { وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } : أن ما ضرب به المثل في كتابه : من مستوقد النار ، والصيب ، والذباب ، والعنكبوت ، وما يجري مجرى ذلك ، فيه عجائب من الحكم الخفية ، والجلية ، وبدائع الفصاحة العربية ، وموافقة المثل لما ضرب به ، وأنه لا يحسن في مثله الأمثلة ، وأنه تعالى لا يترك ذلك لما فيه من الحكم ومدح من عرف أن ذلك حق ، وذم من أنكره وعابه ، وأن في ضربه هدى لمن آمن ، وضلالاً لمن صد عنه ، وذم من نقض عهد الله وقطع ما يجب أن يوصل ، وأفسد في الأرض ، وإعلامه بأن ذلك سبب خسرانه ، والإعلام أن ناقضي عهده هو تعالى قادر على إحيائهم بعد الموت ، كما كان قادراً على إيجادهم بعد العدم ، وأنه جامعهم وباعثهم ومجازيهم بأعمالهم ، وفي ذلك أشد التخويف والتهديد . ثم بعد التخويف ذكرهم تعالى بنعمه التي أنعمها عليهم : من خلق الأرض المقلة ، والسماء المظلة ، والمخلوقات المتعددة التي ينتفعون بها ويعتبرون بها ، ليجمع بذلك بين الترهيب والترغيب ، وهذه هي الموعظة التي يتعظ بها ذو العقل السليم والذهن المستقيم . ثم ختم ذلك بالفضل الأكبر من إعلامهم بإحاطة علمه بجميع الأشياء من الابتداء إلى الانتهاء . .
2 ( { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فيها