@ 150 @ المعلومات بدأ أولاً بأمر معقول لا ندركه نحن بالحس وهو قوله : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } ثم ثانياً بأمر ندرك كثيراً منه بالحس وهو { يَعْلَمُ مَا فِى * الْبَرّ وَالْبَحْرِ } وفيه عموم ثم ثالثاً بجزءين لطيفين أحدهما علوي وهو سقوط ورقة من علوّ إلى أسفل ، والثاني سفلي وهو اختفاء حبة في بطن الأرض . ودلت هذه الجمل على أنه تعالى عالم بالكليات والجزئيات وفيها ردّ على الفلاسفة في زعمهم أن الله لا يعلم الجزئيات ومنهم من يزعم أنه تعالى لا يعلم الكليات ولا الجزئيات حتى هو لا يعلم ذاته تعالى الله عن ذلك . .
{ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } الرطب واليابس وصفان معروفان والمراد العموم في المتصف بهما ، وقد مثل المفسرون ذلك بمثل . فقيل : ما ينبت وما لا ينبت . وقيل : لسان المؤمن ولسان الكافر . وقيل : العين لباكية من خشية الله والعين الجامدة للقسوة ، وأما ما حكاخ النقاش عن جعفر الصادق أن الورقة هي السقط من أولاد بني آدم والحبة يراد بها الذي ليس بسقط ، والرّطب المراد به الحيّ واليابس يراد به الميت فلا يصح عن جعفر وهو من تفسير الباطنية لعنهم الله . وقال مقاتل في كتاب مبين : هو اللوح المحفوظ . وقال الزجاج : كناية عن علم الله المتيقن وهذا الاستثناء جار مجرى التوكيد لأن قوله : ولا حبة { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } معطوف على قوله { مِن وَرَقَةٍ } والاستثناء الأول منسحب عليها كما تقول : ما جاءني من رجل إلا أكرمته ولا امرأة ، فالمعنى إلا أكرمتها ولكنه لما طال الكلام أعيد الاستثناء على سبيل التوكيد وحسنه كونه فاصلة رأس آية . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن السميقع { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } بالرفع فيهما والأولى أن يكونا معطوفين على موضع { مِن وَرَقَةٍ } ويحتمل الرفع على الابتداء وخبره { إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } . { وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ * لّيَقْضِيَ * أَجَلٌ مّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر استثاره بالعلم التام للكليات والجزئيات ذكر استئثاره بالقدرة التامّة تنبيهاً على ما تختص به الإلهية وذكر شيئاً محسوساً قاهراً للأنام وهو التوفي بالليل والبعث بالنهار وكلاهما ليس للإنسان فيه قدرة ، بل هو أمر يوقعه الله تعالى بالإنسان والتوفي عبارة في العرف عن الموت وهنا المعنى به النوم على سبيل المجاز للعلاقة التي بينه وبين الموت وهي زوال إحساسه ومعرفته وفكره . ولما كان التوفي المراد به النوم سبباً للراحة أسنده تعالى إليه وما كان بمعنى الموت مؤلماً قال : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ } { جَاءتْ رُسُلُنَا } { نُنَزّلُ الْمَلَائِكَةَ } ، والظاهر أن الخطاب عام لكل سامع . وقال الزمخشري : الخطاب للكفرة وخص الليل بالنوم والبعث بالنهار وإن كان قد ينام بالنهار ويبعث بالليل حملاً على الغالب ، ومعنى { جَرَحْتُم } كسبتم ومنه جوارح الطير أي كواسبها واجترحوا السيئات اكتسبوها والمراد منها أعمال الجوارح ومنه قيل للأعضاء جوارح . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون من الجرح كأن الذنب جرح في الدين والعرب تقول : وجرح اللسان كجرح اليد . وقال مكي : أصل الاجتراح عمل الرجل بجارحة من جوارحه يده أو رجله ثم كثر حتى قيل لكل مكتسب مجترح وجارح ، وظاهر قوله : { مَا جَرَحْتُم } العموم في المكتسب خيراً كان أو شراً . وقال الزمخشري : ما كسبتم من الآثام ؛ انتهى ،