@ 83 @ وهي أنه لا شيء أبين منها وأيقن ، ثم لا يؤمنون كما قال ولو إننا نزلنا إليهم الملائكة لم يكن بد من إهلاكهم كما أهلك أصحاب المائدة ، وأما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة ، فيجب إهلاكهم وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ؛ انتهى . والترديد الأول بإما قول ابن عباس ، والثالث قول تلك الفرقة ، وقوله : كما أهلك أصحاب المائدة ، لأنهم عنده كفار وقد تقدّم الكلام فيهم في أواخر سورة العقود ، وذكر أبو عبد الله الرازي الأوجه الثلاثة التي ذكرها الزمخشري ببسط فيها . وقال التبريزي في معنى { لَقُضِىَ الاْمْرُ } قولان : أحدهما : لقامت القيامة لأن الغيب يصير عندها شهادة عياناً . الثاني : الفزع من إهلاكهم لأن السنة الإلهية جارية في إنزال الملائكة بأحد أمرين : الوحي أو الإهلاك ، وقد امتنع الأول فيتعين الثاني ؛ انتهى . فعلى هذا القول يكون معنى قوله { وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } أي بإهلاكنا . قال الزمخشري : ومعنى ثم بعدما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر ، لأن مفاجأة الشدّة أشد من نفس الشدّة ؛ انتهى . .
{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } أي ولجعلنا الرسول ملكاً ، كما اقترحوا ، لأنهم كانوا يقولون : لولا أنزل على محمد ملك ، وتارة يقولون : ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة ، ومعنى { لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } أي لصيرناه في صورة رجل ، كما كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في غالب الأحوال في صورة دحية ، وتارة ظهر له وللصحابة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة ، وفي الحديث : ( وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً ) ، وكما تصوّر جبريل لمريم بشراً سوياً والملائكة أضياف إبراهيم وأضياف لوط ومتسوّر والمحراب ، فإنهم ظهروا بصورة البشر وإنما كان يكون بصورة رجل ، لأن الناس لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد ، ويؤيده هلاك الذي سمع صوت ملك في السحاب يقول : أقدم حيزوم فمات لسماع صوته فكيف لو رآه في خلقته . قال ابن عطية : ولا يعارض هذا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ) لجبريل وغيره في صورهم ، لأنه عليه السلام أعطى قوة يعني غير قوى البشر وجاء بلفظ رجل ردًّا على المخاطبين بهذا ، إذ كانوا يزعمون أن الملائكة إناث . وقال القرطبي : لو جعل الله الرسول إلى البشر ملكاً لفروا من مقاربته وما أنسوا به ، ولداخلهم من الرعب من كلامه ما يلكنهم عن كلامه ويمنعهم عن سؤاله ، فلا تعم المصلحة ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم لقالوا : لست ملكاً وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك وعادوا إلى مثل حالهم ؛ انتهى . وهو جمع كلام من قبله من المفسرين ، وفي هذه الآية دليل على من أنكر نزول الملائكة إلى الأرض وقالوا : هي أجسام لطيفة ليس فيها ما يقتضي انحطاطها ونزولها إلى الأرض ، ورد ذلك عليهم بأنه تعالى قادر أن يودع أجسامها ثقلاً يكون سبباً لنزولها إلى الأرض ثم يزيل ذلك ، فتعود إلى ما كانت عليه من اللطافة والخفة فيكون ذلك سبباً لارتفاعها ؛ انتهى . هذا الردّ والذي نقول إن القدرة الإلهية تنزل الخفيف وتصعد الكثيف من غير أن يجعل في الخفيف ثقلاً وفي الكثيف خفة وليس هذا بالمستحيل ، فيتكلف أن يودع في الخفيف ثقلاً وفي الكثيف خفة ، وفي الآية دليل على إمكان تمثيل الملائكة بصورة