@ 270 @ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقليل مّا هم ، فلا تنافي بينهما لأن الكثرة والقلة أمران نسبيان ، فالمهتدون في أنفسهم كثير ، وإذا وصفوا بالقلة فبالنسبة إلى أهل الضلال ، أو تكون الكثرة بالنسبة إلى الحقيقة ، والقلة بالنسبة إلى الأشخاص ، فسموا كثيراً ذهاباً إلى الحقيقة ، كما قال الشاعر : % ( إن الكرام كثير في البلاد وإن % .
قلوا كما غيرهم قلوا وإن كثروا .
) % .
واختار بعض المعربين والمفسرين أن يكون قوله تعالى : { * } وقليل مّا هم ، فلا تنافي بينهما لأن الكثرة والقلة أمران نسبيان ، فالمهتدون في أنفسهم كثير ، وإذا وصفوا بالقلة فبالنسبة إلى أهل الضلال ، أو تكون الكثرة بالنسبة إلى الحقيقة ، والقلة بالنسبة إلى الأشخاص ، فسموا كثيراً ذهاباً إلى الحقيقة ، كما قال الشاعر : % ( إن الكرام كثير في البلاد وإن % .
قلوا كما غيرهم قلوا وإن كثروا .
) % .
واختار بعض المعربين والمفسرين أن يكون قوله تعالى : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } في موضع الصفة لمثل ، وكان المعنى : { مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَاذَا مَثَلاً } يفرق به الناس إلى ضلال وإلى هداية ، فعلى هذا يكون من كلام الذين كفروا . وهذا الوجه ليس بظاهر ، لأن الذي ذكر أنّ الله لا يستحي منه هو ضرب مثل مّا ، أي مثل : كان بعوضة ، أو ما فوقها ، والذين كفروا إنما سألوا سؤال استهزاء وليسوا معترفين بأن هذا المثل { يُضِلُّ اللَّهُ * بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } ، إلا أن ضمن معنى الكلام أن ذلك على حسب اعتقادكم وزعمكم أيها المؤمنون فيمكن ذلك ، ولكن كونه إخباراً من الله تعالى هو الظاهر ، وإسناد الضلال إلى الله تعالى إسناد حقيقي كما أن إسناد الهداية كذلك ، فهو خالق الضلال والهداية ، وقد تؤول هنا الإضلال بالإضلال عن طريق الجنة ، والإضلال عن الدين في اللغة هو الدعاء إلى تقبيح الدين وتركه ، وهو الإضلال المضاف إلى الشيطان ، والإضلال بهذا المعنى منتف عن الله بالإجماع . والزمخشري على طريقته الاعتزالية يقول : إسناد الضلال إلى الله تعالى إسناد إلى السبب ، لأنه لما ضرب به المثل فضل به قوم واهتدى به قوم تسبب لضلالهم وهداهم . وقيل : يضل بمعنى يعذب ، كقوله تعالى : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ } ، قاله بعض المعتزلة ، وردّ القفال هذا وقال : بل المراد في الشاهد في ضلال عن الحق وجوز ابن عطية أن يكون قوله : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا } من كلام الكفار ، ويكون قوله : { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } إلى آخر الآية ، من كلام الله تعالى . وهذا الذي جوزه ليس بظاهر لأنه إلباس في التركيب ، لأن الكلام إما أن يجري على أنه من كلام الكفار ، أو يجري على أنه من كلام الله . وإما أن يجري بعضه على أنه من كلام الكفار وبعضه من كلام الله تعالى من غير دليل على ذلك فإنه يكون إلباساً في التركيب ، وكتاب الله منزه عنه . .
وقرأ زيد بن علي : يضلّ به كثير ويهدي به كثير وما يضلّ به إلا الفاسقون ، في الثلاثة على البناء للمفعول . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة ، في الثلاثة على البناء للفاعل الظاهر ، مفتوح حرف المضارعة . قال عثمان بن سعيد الصيرفي : هذه قراءة القدرية . وروي عن ابن مسعود أنه قرأ : يضلّ بضمّ الياء في الأول ، وما يضلّ به بفتح الياء ، والفاسقون بالواو ، وكذا أيضاً في القراءتين السابقتين ، وهي قراءات متجهة إلى أنها مخالفة للمصحف المجمع عليه . والظاهر أن الضمير في به في الثلاثة عائد على مثلاً ، وهو على حذف المضاف ، أي يضرب المثل . وقيل : الضمير في به من قوله : { يُضِلُّ بِهِ } ، أي بالتكذيب في به من قوله : { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } ، أي بالتصديق . ودلّ على ذلك قوة الكلام في قوله تعالى : { فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ } { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ } . .
ومعنى : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } ، أي : وما يكون ذلك سبباً للضلالة إلا عند من خرج عن الحق . وقال بعض أهل العلم : معنى يضلّ ويهدي : الزيادة في الضلال والهدى ، لا أن ضرب المثل سبب للضلالة والهدى ، فعلى هذا يكون التقدير : نزيد من لم يصدق به وكفر ضلالاً على ضلالة ، ومن آمن به وصدق إيماناً على إيمانه . والفاسقين : مفعول يضلّ لأنه استثناء