@ 540 @ فقد انتهى مدحه إلى الغاية التي لا يمكن أن يزاد عليها ، وهذا الكلام مفيد المبالغة التامة من هذا الوجه ، فكذا هاهنا . قال : فإن لم تبلغ رسالته فما بلغت رسالته ، يعني : أنه لا يمكن أن يصف البليغ بترك التهديد بأعظم من أنه ترك التعظيم ، فكان ذلك تنبيهاً على التهديد والوعيد . وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر : رسالاته على الجمع . وقرأ باقي السبعة : على التوحيد . .
{ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } أي لا تبال في التبليغ ، فإن الله يعصمك فليس لهم تسليط على قتلك لا بمؤامرة ، ولا باغتيال ، ولا باسيتلاء عليك بأخذ وأسر . قال محمد بن كعب : نزلت بسبب الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم ) ليقتله انتهى ، وهو غورث بن الحارث ، وذلك في غزوة ذات الرقاع . .
وروى المفسرون أنّ أبا طالب كان يرسل رجالاً من بني هاشم يحرسونه حتى نزل قوله : والله يعصمك من الناس ، فقال : إن الله قد عصمني من الجن والإنس ، فلا أحتاج إلى من يحرسني . وقال ابن جريج : كان يهاب قريشاً فلما نزلت استلقى وقال : { مَن شَاء } . وروى أبو أمامة حديث ركانة من : ولد هاشم مشركاً أفتك الناس وأشدهم ، تصارع هو والرسول ، فصرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ) ثلاثاً ودعاه إلى الإسلام ، فسأله آية ، فدعا الشجرة فأقبلت إليه . وقد انشقت نصفين ، ثم سأله ردها إلى موضعها فالتأمت وعادت ، فالتمسه أبو بكر وعمر فدلا عليه أنه خرج إلى واد أضم حيث ركانة ، فسارا نحوه واجتمعا به ، وذكرا أنهما خافا الفتك من ركانة ، فأخبرهما خبره معه وضحك ، وقرأ والله يعصمك من الناس . وهذا ما قبله يدل على أنّ ذلك نزل بمكة أو في ذات الرقاع ، والصحيح أنها نزلت بالمدينة والرسول بها مقيم شهراً ، وحرسه سعد وحذيفة ، فنام غط ، فنزلت ، فأخرج إليهما رأسه من قبة أدم وقال : { انصَرَفُواْ * أَيُّهَا النَّاسُ * فَقَدْ } وأصل هذا الحديث في صحيح مسلم : وأما شج جبينه وكسر رباعيته يوم أحد فقيل : الآية نزلت بعد أحد ، فأما إن كانت قبله فلم تتضمن العصمة هذا الابتلاء ونحوه من أذى الكفار بالقول ، بل تضمنت العصمة من القتل والأسر ، وأما مثل هذه فيها الابتلاء الذي فيه رفع الدرجات واحتمال كل الأذى دون النفس في ذات الله ، وابتلاء الأنبياء أشد ، وما أعظم تكليفهم . وأتى بلفظ يعصمك لأن المضارع يدل على الديمومة والاستمرار ، والناس عام يراد به الكفار يدل عليه ما بعده . وتضمنت هذه الجملة الإخبار بمغيب ووجد على ما أخبر به ، فلم يصل إليه أحد بقتل ولا أسر مع قصداً لا عداء له مغالبة واغتيالاً . وفيه دليل على صحة نبوّته ، إذ لا يمكن أن يكون إخباره بذلك إلا من عند الله تعالى ، وكذا جميع ما أخبر به . .
{ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } أي إنما عليك البلاغ لا الهداية ، فمن قضيت عليه بالكفر والموافاة عليه لا يهتدي أبداً ، فيكون خاصاً . قال ابن عطية : أما على العموم على أن لا هداية في الكفر ، ولا يهدي الله الكافر في سبيل كفره . وقال الزمخشري : ومعناه أنه لا يمكنهم مما يريدون إنزاله ، بل من الهلاك انتهى . وهو قول بعضهم لا يعينهم على بلوغ غرضهم منك . وقيل : المعنى لا يهديهم إلى الجنة . والظاهر من الهداية إذا أطلقت ما فسرناها به أولاً . .
{ قُلْ ياأَهْلَ * أَهْلِ الْكِتَابِ * لَسْتُمْ عَلَى شَىْء حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مّن رَّبّكُمْ } قال رافع بن سلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ، وإنك تؤمن بالتوراة ونبوة موسى ، وأن ذلك حق ؟ قال : { بَلَى وَلَاكِنَّكُمْ } فقالوا : إنا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ، ولا نصدقك ، ولا نتبعك فنزلت . وتقدم الكلام على إقامة التوراة والإنجيل وما أنزل ، فأغنى عن إعادته . ونفى أن يكونوا على شيء جعل ما هم عليه عدماً صُرِفا