@ 532 @ ويعاملهم بأحسن معاملة . فالمعنى : أنهم هم الذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم ، لا أنك أنت الذي تسببت لبقائهم في الكفر . والذي نقول : إن الجملة الإسمية الواقعة حالاً المصدرة بضمير ذي الحال المخبر عنها بفعل أو اسم يتحمل ضمير ذي الحال آكد من الجملة الفعلية ، من جهة أنه يتكرر فيها المسند إليه فيصير نظير : قام زيد زيد . ولما كانوا حين جاءوا الرسول أو المؤمنين قالوا : آمنا ملتبسين بالكفر ، كان ينبغي لهم أن لا يخرجوا بالكفر ، لأن رؤيته صلى الله عليه وسلم ) كافية في الإيمان . ألا ترى إلى قول بعضهم حين رأى الرسول : علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، مع ما يظهر لهم من خوارق الآيات وباهر الدلالات ، فكان المناسب أنهم وإن كانوا دخلوا بالكفر أن لا يخرجوا به ، بل يخرجون بالرسول مؤمنين ظاهراً وباطناً . فأكد وصفهم بالكفر بأن . كرر المسند إليه تنهبياً على تحققهم بالكفر وتماديهم عليه ، وأنَّ رؤية الرسول م تجد عنهم ، ولم يتأثروا لها . وكذلك إن كان ضمير الخطاب في : وإذا جاءوكم قالوا آمنا ، كان ينبغي لهم أن يؤمنوا ظاهراً وباطناً لما يرون من اختلاف المؤمنين وتصديقهم للرسول ، والاعتماد على الله تعالى والرغبة في الآخرة ، والزهد في الدنيا ، وهذه حال من ينبغي موافقته . وكان ينبغي إذ شاهدوهم أن يتبعوهم على دينهم ، وأن يكون إيمانهم بالقول موافقاً لاعتقاد قلوبهم . وفي الآية دليل على جواز مجيء حالين لذي حال واحد ، إن كانت الواو في : وهم ، واو حال ، لا واو عطف ، خلافاً لمن منع ذلك إلا في أفعل التفضيل . والظاهر أنّ الدخول والخروج حقيقة . وقيل : هما استعارة ، والمعنى : تقلبوا في الكفر أي دخلوا في أحوالهم مضمرين الكفر وخرجوا به إلى أحوال أخر مضمرين له ، وهذا هو التقلب . والحقيقة في الدخول انفصال بالبدن من خارج مكان إلى داخله ، وفي الخروج انفصال بالبدن من داخله إلى خارجة . .
{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } أي من كفرهم ونفاقهم . وقيل من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ) ونعته وفي هذا مبالغة في إفشاء ما كانوا يكتمونه من المكر بالمسلمين والكيد والعداوة . .
{ وَتَرَى كَثِيراً مّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يحتمل ترى أن تكون بصرية ، فيكون يسارعون صفة : وأن تكون علمية ، فيكون مفعولاً ثانياً . والمسارعة : الشروع بسرعة . والإثم الكذب . والعدوان الظلم . يدل قوله عن قولهم الإثم على ذلك ، وليس حقيقة الإثم الكذب ، إذ الإثم هو المتعلق بصاحب المعصية ، أو الإثم ما يختص بهم ، والعدوان ما يتعدى بهم إلى غيرهم . أو الإثم الكفر ، والعدوان الاعتداء . أو الإثم ما كتموه من الإيمان ، والعدوان ما يتعدى فيها . وقيل : العدوان تعديهم حدود الله أقوال خمسة . والجمهور على أن السحت هو الرشا ، وقيل : هو الربا ، وقيل : هو الرشا وسائر مكسبهم الخبيث . وعلق الرؤية بالكثير منهم ، لأن بعصهم كان لا يتعاطى ذلك المجموع أو بعضه ، وأكثر استعمال المسارعة في الخير فكأن هذه المعاصي عندهم من قبيل الطاعات ، فلذلك يسارعون فيها . والإثم يتناول كل معصية يترتب عليها العقاب ، فجرد من ذلك العدوان وأكل السحت ، وخصا بالذكر تعظيماً لهاتين المعصيتين وهما : ظلم غيرهم ، والمطعم الخبيث الذي ينشأ عنه عدم قبول الأعمال الصالحة . وقرأ أبو حيوة : العِدوان بكسر ضمة العين ، وتقدم الكلام في ما بعد بئس في قوله : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ } . .
{ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالاْحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } لولا تحضيض يتضمن توبيخ العلماء والعباد على سكوتهم عن النهي عن معاصي الله تعالى والأمر بالمعروف . وقال العلماء : في ما في القرآن آية أشد توبيخاً منها للعلماء . وقال الضحاك : ما في القرآن أخوف منها ، ونحوه ابن عباس . والإثم هنا ظاهره الكفر ، أو يراد به سائر أقوالهم التي يترتب عليها الإثم . وقرأ الجراح وأبو واقد : الربيون مكان الربانيون ، وابن عباس بئس ما كانوا يصنعون بغير لام قسم . والظاهر أنّ الضمير في كانوا عائد على الربانيين ، والأحبار إذ هم المحدث عنهم والموبخون بعدم النهي . قال الزمخشري : كل عامل لا يسمى صانعاً ، ولا كل عمل يسمى صناعة